المرأة في عيدها - عمر حلمي الغول
تحل الذكرى السنوية لعيد ويوم المرأة العالمي والمرأة الفلسطينية تواجه اوضاعا مأساوية حتى اللحظة الراهنة، حيث دفعت قرابة الثلاثين فتاة وسيدة حياتها ثمنا لذكورية واستبدادية المجتمع تجاه المرأة بين العام الماضي ومطلع العام الحالي. وللآسف الشديد لم يأخذ القضاء دوره في لجم النزعات الذكورية باسم "شرف" العائلة، ومازالت التراجيديا السوداء تلف حبلها حول رقبة المرأة الفلسطينية في المدينة والقرية والخربة والمخيم، فلا فرق بين مكان وآخر، لان الوعي الجمعي للمجتمع يعاني من قصور عميق في فهم مكانة ودور المرأة في المجتمع.
مما لا شك فيه، ان الانظمة والقوانين، التي سنتها الهيئات والمؤسسات التشريعية والتنفيذية منذ إقامة السلطة، كانت بمعايير الدول المتقدمة وقوانين حقوق الانسان الاممية جيدة. لكن تلك القوانين اولا لم ترق للتعميم والتمثل في الوعي الذكوري؛ ثانيا تراجعت تلك القوانين في اعقاب الانقلاب الحمساوي الاسود في محافظات الجنوب للخلف كثيرا، حتى استسهل الرجال البطش بالنساء، لانهم يعلموا ان الممسكين بمقاليد الامور لن يتخذوا أي إجراء رادع ضدهم، لا بل انهم، س"يباركوا" تلك الجرائم باسم "الدين" تارة وباسم "الشرف" تارة اخرى.
مع ذلك مازالت القوانين الفلسطينية المتعلقة بحقوق النساء والاطفال قاصرة، وتعاني من مثالب عديدة، وتحتاج الى ثورة حقيقية للوصول الى المساواة الكاملة مع الرجل. كما انها تتطلب حملات توعوية مكثفة ومنظمة لتعميم الوعي الايجابي في اوساط الشعب وفئاته وشرائحه وطبقاته الاجتماعية الواقعة تحت تأثير وسطوة رجال الدين ضيقي الافق، الذين لا يملكون قدرة على الاجتهاد، ويفتقروا للمعرفة باصول الدين والعلوم الاخرى، وكل ما لديهم قصص متناثرة عن القرآن والسنة النبوية او الانجيل وقيم العشيرة والقبيلة والعائلة.
المرأة الفلسطينية حاملة لواء الثورة، وحارسة نيرانها ورايتها، التي شاركت في الدفاع عن الهوية والشخصية الوطنية كتفا إلى كتف مع الرجل في قواعد الثورة في الشتات (الظاهرة العلنية) وفي الداخل (العمل السري)، وشاركت الرجل في حمل راية البناء لمؤسسات السلطة الوطنية منذ أُقيمت في العام 1994 وحتى الان، وكانت ومازالت تكافح في ميادين خاصة وعامة: إن كان في تجديد بنية المجتمع او في التربية للاجيال الجديدة، وفي القيام بمهامها العائلية داخل حدود الاسرة، هذه المرأة ، هي الام والاخت والزوجة والابنة والعمة والخالة والحبيبة والصديقة والزميلة والرفيقة، لا يجوز للرجل مواصلة البطش بها وبمكانتها العظيمة داخل المجتمع، ولا يجوز للقائمين على القانون التغاضي عن التسلط والفجور الذكوري غير المبرر ولا المشروع.
على المرأة وانصارها في اوساط الذكور، وعلى القوى السياسية المتبناة لخيار المساواة بين الرجل والمرأة رفع الصوت عاليا ضد عمليات الاستغلال والاضطهاد الذكورية. وشن حملة واسعة على كل مرتكب لجريمة دموية بحق المرأة بغض النظر عن الاسباب، لان المرأة إنسان من حقها ان تحب وتختار شريك حياتها، كما من حقها ان تطلب الطلاق وتخلع من لا تراه ندا لها، وبالضرورة عليها إسوة بالرجل إحترام قيم المجتمع الايجابية، التي تخدم مساواتها ومكانتها كشريك اساسي في المجتمع للذكر.
في يوم المرأة كل التحية للمرأة الفلسطينية والعربية وفي العالم اجمع .. وفي عيدها الف مليون تحية لها ولعطائها ودورها الانساني والاجتماعي والكفاحي، ولا كبيرة لبطش الاخ وابن العم باسم "الشرف" ، ولا كبيرة لسطوة رجال الدين المتخلفين والقاصرين، ونعم لحماية حقوق المرأة كاملة غير منقوصة في المساواة والندية للذكر وعلى كل الصعد والمستويات .. وكل عام والمرأة بخير وشعبنا بخير .