"حماس" وقرار القضاء المصري... - د. عبد المجيد سويلم
لستُ ضليعاً في الأبعاد القانونية ولا حتى بتبعات القرار الإجرائي الذي حكمت به المحكمة المصرية على حركة حماس، ولكنني على يقين تام أن لهذا القرار من الأبعاد والتبعات السياسية الهائلة على مستقبل حركة حماس وعلى مسارها اللاحق ولسنوات طويلة قادمة.
لم يحدث في التاريخ أن استطاع اي نظام سياسي البقاء على قيد الحياة في قطاع غزة دون رغبة ورعاية وحماية ودعم الدولة المصرية، كما لم يحدث أبداً أن استطاع أي حكم سياسي في القطاع معاداة الدولة المصرية والعمل ضدها إلا وانتهى الى الفناء التام.
قرار المحكمة المصرية (بغض النظر عن خلفياته ومبرراته ومسوغاته) يضع حركة حماس في موقع "الكيان المعادي" وهو الأمر الذي يرتب على الدولة المصرية منع اي تواجد بأية صورة من الصور لحركة حماس على الأراضي المصرية، واصبح مستحيلاً إعطاء قادة وكوادر حركة حماس فرصة الانتقال من والى قطاع غزة عبر الأراضي المصرية.
كما أن هذا الأمر سيسحب نفسه على مصادر تمويل حركة حماس وكافة القنوات التي يمكن ان تلعب اي دور من الأدوار في مدّ الحركة بوسائل البقاء والاستمرار في حكمها لقطاع غزة. وسيتبع بعد كل هذا ملاحقات شاملة لكل من يرتبط بحركة حماس على اي صعيد من الصعد وفرض حصار شامل عليها.
باختصار قرار المحكمة المصرية يحول العلاقة بين الدولة المصرية من جهة وحركة حماس من جهة أُُخرى إلى حالة عداء ليس لها فرص للتراجع او الحلول الوسط.
العكس تماما هو الصحيح، إذ إن الطابع "المؤقت" للقرار - على ما يبدو لي - هو كناية عن الطابع الاحترازي، وذلك في ضوء رؤية المحكة لما تشكله حركة حماس من "خطر" على الأمن القومي وهذا هو - على ما يبدو لي - الذي يفسّر اعتبار القضية قضية مستعجلة.
إن صفة الاستعجال هنا ليس لها إلا معنى واحد، وهو ان الخطر داهم وخطير الى درجة لا يمكن انتظار القرائن والأدلة على ملابساتها واصبح البت المستعجل واجبا قانونيا بالنظر إلى درجة الخطورة.
إذن، المسألة مرشحة فقط لمزيد من استحكام العداوة، وذلك في ضوء "الأدلة والقرائن" التي تتعلق بقضيتي التخابر والسجون والتي في حالة ثبوتها للمحكمة سيتم الانتقال الى طور جديد من الملاحقة القضائية لأشخاص بعينهم ولمؤسسات على وجه التحديد والخصوص ومحاكمات مختلفة على "جرائم" معينة وعقوبات محددة وملموسة عليها.
في ضوء كل ذلك فإن الحديث عن الطابع "السياسي" للقضية لا يفيد كثيراً، لأن المسألة أدرجت موضوعياً في المسار القانوني والقضائي، وأصبح المسار القانوني والقضائي هو القناة الوحيدة الممكنة للمعالجة، ولم يعد ممكنا ان يتم تسييس المعالجة حتى ولو كانت "شُبه" السياسة متوفرة في خلفية المشهد.
وحتى لو سلمنا جدلاً أن شبهة السياسة موجودة في خلفية القرار المستعجل فكيف ستتم المعالجة "سياسياً"، إذا ما حكمت المحكمة العادية (غير المستعجلة) بالقرائن والأدلة فيما هو منظور أمامها؟؟
حاولت ان أورد كل هذا بهدف واحد، وهو أن هذا القرار ليس قراراً سياسياً او كيدياً كما قالت بعض الأوساط الحمساوية او الموالية لها طالما انه قد دخل القنوات القانونية والقضائية.
لو تعلق الأمر بطرد قيادات معينة، أو اعتبار آخرين "غير مرغوب بهم" او حتى إغلاق مقر او مكتب بإعلان صحافي أو حتى بدون إعلان، لأمكن الحديث عن قرار سياسي، أما الذي صدر فهو قرار قضائي ما زال في مرحلة الاحتراز وهو مرشح فقط للتعمق في الأبعاد والتبعات والتأثير.
مع هذا القرار تدخل حركة حماس في متاهة سياسية كبيرة، وقد تكون على أبواب مختنق صعب ليس من السهل تجاوزه او حتى التحايل السياسي عليه.
لم تقدّر حركة حماس مع الأسف خطورة الموقف في الوقت المناسب ولم تستجب للدعوات الصادقة لها بالتراجع والمراجعة، ولم تدرك أبعاد الموقف وأخطاره عليها كحركة تتحمل مسؤولية الحكم في القطاع بغض النظر عن شرعية ومشروعية الحكم.
لم تفهم حركة حماس مع الأسف الشديد ان التصرف كفصيل وطني فلسطيني وليس كفرع لجماعة الإخوان المسلمين كان هو الحل الوحيد والأمثل للتعامل مع الواقع الإقليمي، والحل الأوحد الذي كان أمامها للتعامل مع المتغير المصري تحديدا.
لم تدرك الحركة (مع أن الفرصة كانت سانحة والمساحة كانت ما زالت متاحة) ان وقوف الجماعة في مواجهة الشعب المصري امر ينطوي على مقامرة سياسية مدمرة، وان الوقوف في مواجهة الجيش المصري والدولة المصرية هي مغامرة طائشة وعبثية وخطيئة لا تغتفر.
اما أبعاد القرار على الوضع الفلسطيني العام فهي كبيرة وكبيرة للغاية.
أهم الأخطار هو انعكاس القرار على أهلنا في القطاع، لان النوايا مهما كانت صادقة بالتفريق ما بين الحركة وما بين سكان القطاع فإن الواقع العملي المباشر لا يسمح بهذا التفريق بيسر وسهولة، وان ثمة تداخلا واقعيا وموضوعيا يستحيل تجاوزه.
كذلك يمكن القول بعد هذا القرار ان الرعاية المصرية للمصالحة قد تبخرت الآن، ولن تقبل القيادة المصرية في ضوء القرار لا وساطة ولا تدخلا من اي نوع كان، وسترفض القيادة المصرية إعطاء اي صفة سياسية مباشرة لأي حراك من هذا القبيل، وأغلب الظن ان القيادة المصرية ستنتظر ما سيحدثه القرار من حراك داخل الحركة لكي تتابع دورها في مسألة المصالحة من على أُسس جديدة ومختلفة ومن منظور خطوات للتنفيذ المباشر على أبعد الحدود.