اللقاء الحاسم بين الرئيس أبو مازن مع أوباما - د. جمال أبو نحل
الرئيس أبو مازن من الزعماء الأكثر صراحة ووضوحًا بين زعماء العالم مع الأصدقاء وحتي الأعداء، يتسم بالصراحة والمصداقية ولا يحابي أحدًا، ولا يخاف في الله لومةّ لائِم؛ حينما تكلم عن ضرورة المقاومة الشعبية بوجه المحتل
كان واضحًا، وحينما تكلم قبل سنوات عن الصواريخ العبثية، كان صريحًا، وبعد بضِعة سنوات خلت؛ قال بعض قيادة التنظيمات الفلسطينية بأنها صواريخ غير وطنية،،، وما قاله الرئيس قبل سنوات فهمه البعض بعد سنوات عجاف؛ بعدما دمرت اسرائيل مقومات الدولة- درت المطار الفلسطيني في غزة- والميناء البحري الدولي بغزة توقف العمل به والمفاوضات تأزمت الخ؛؛؛ وتحدت الرئيس أبو مازن قبل يومين أمام المجلس الثوري لحركة فتح لمدة ساعة ونصف ومن أبرز ما قال: عمرى الأن 79 سنة ولن أخون الأمانة ولن نعترف بيهودية الدولة- إنهُ ماضٍ على درب الشهداء ودرب الشهيد رفيق دربهِ الشهيد القائد أبو عمار رحمه الله. مع العلم أن تلك الزيارة والمفاوضات تجري في صورتها اليوم في ظل انقسام فلسطيني خطير يطال بتأثيراته الكارثية مختلف مناحي حياة الفلسطينيين بما يهدد وحدة هويتهم الوطنية الجامعة على نحو غير مسبوق في تاريخ القضية الفلسطينية؛ ونحن الأن على بُعد أربعة أيام من الزمن سيتوجه الرئيس محمود عباس الى واشنطن؛ وبالتحديد في السابع عشر من مارس المقبل ، ومع اقتراب الموعد شهدت الضفة الغربية وقطاع غزة قبل سفر الرئيس للقاء الرئيس الأمريكي أوباما موجة كبيرة من التصعيد الاسرائيلي الموجه ضد الشعب الفلسطيني, بدأت باغتيال القاضي زعيتر واستمر التصعيد إلى أن وصل عدد الشهداء بالضفة وغزة إلى ستة شهداء وزيادة وتيرة اقتحامات الضفة والاعتقالات في محاولة منها لإفشال زيارة أبو مازن وللهروب من الاستحقاقات للمفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية والتي تنتهي في شهر إبريل المُقبل, وما يجرى هو محاولة لزيادة الضغط على الرئيس ابو مازن من أجل الاعتراف بيهودية الدولة الاسرائيلية، وشطب حق العودة، والتنازل عن قضية اللاجئين الفلسطينيين؛؛ الأمر الذي رفضه الرئيس أبو مازن مرارًا وتكرارًا وأعلن موقفه بصراحة من أنهُ لا اعتراف بيهودية الدولة نهائيًا، ولا تنازل عن حق العودة. ولا لتمديد المفاوضات، وبات من الواضح من خلال الكثير من المحللين السياسيين الى إن الهدف الاساسي من زيارة الرئيس أبو مازن الى واشنطن هي محاولة الرئيس أوباما للضغط على الرئيس أبو مازن لإقناعه لتمديد فترة المفاوضات، وحتى لا يترك فشلها فراغ سياسي سيؤدي الى طرح بدائل لا ترغب الولايات المتحدة وحليفتها اسرائيل فيها, ومن تلك البدائل التوجه إلى الأمم المتحدة من أجل الانضمام لجميع المنظمات الدولية لفضح العدو ومحاكمتهِ على جرائمهِ- وسيحاول أوباما الضغط كذلك على الرئيس أبو مازن مستغلاً حاجة السلطة الفلسطينية المادية تحديدًا، ومستغلاً الربيع العربي الدموي المنشغل بنفسهِ والخلافات العربية العربية وكذلك إيجاد صيغة بديلة عن كلمة يهودية الدولة أو تخريج لكلمة يهودية الدولة، من أجل محاولة بلورة موقف لتصدير اتفاق "الاطار" حتى يري النور بين الجانبين؛ وما التصعيد الاسرائيلي الاخير على شعبنا الفلسطيني إلا محاولة لإفشال جهود الرئيس أبو مازن الذي استطاع أن يفضح ممارسات العدو عالميًا بكل حنكة ودهاء ومصداقية في التوجه والعمل. إن هذا التصعيد سيأتي بمردود عكسي على المحتل الغاصب ولن يزيد الرئيس أبو مازن إلا أن يكون أكثر صلابةً وإصرارًا على محاولة حقن دم الشعب الفلسطيني وعلى الصمود بوجه الضغط الأمريكي والصهيوني ويعطيه الحق أكثر في التمسك بحق الشعب الفلسطيني وما يمارسه الاحتلال الاسرائيلي من خلال اعتداءات المستوطنين والاقتحامات المتكررة للمسجد الاقصى وزيادة وتسريع وتيرة بناء المستوطنات والاستمرار باستفزاز مشاعر الفلسطينيين وعملية القتل والاغتيالات في الضفة الغربية وقطاع غزة لهدفين أحدهما، تعتبر اسرائيل المفاوضات غطاء لجرائمها، والأمر الثاني التهرب من الاستحقاقات لتلك المفاوضات، والعملية السلمية برمتها والتنكر للحق الفلسطيني ومحاولة الى تأجيج الموقف الفلسطيني من خلال استدراج المقاومة الفلسطينية للرد على التصعيد بصورة أوسع وأكبر من أجل افشال الزيارة . إن عدم تمكن الرئيس أوباما من الضغط على نتنياهو وحكومتهِ من أجل استحقاقات السلام يؤكد أن ادارة اوباما تفترض أن الحلقة الاضعف، هي القيادة الفلسطينية، التي يمكن ابتزازها بجملة من العناوين، منها ، التهديد ب"الشطب"، ووقف قناة الدعم، وإطلاق اليد الاسرائيلية للإيغال أكثر فأكثر في جرائمها وانتهاكاتها الاستعمارية ... الخ من اسلحة الضغط. لذا لن تكون الزيارة للبيت الابيض كما غيرها من سباقاتها، لانها ستفرض على الرئيس أبو مازن مواجهة التحديات الاميركية بقوة وشكيمة عالية كما هي عادته في كل المنعطفات النوعية للدفاع عن حقوق الحد الادنى المقبولة فلسطينيًا، وهي المتمثلة بخيار الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وضمان حق العودة للاجئين على أساس القرار الدولي 194، مقابل الاعتراف والتطبيع مع دولة الاحتلال، وبالمقابل رفض أي ابتزاز من قبل الرئيس اوباما، وتحت طائلة تحميل الولايات المتحدة المسؤولية عن ما ستؤول إليه الامور في المنطقة، لان الادارة الاميركية باتت تعلم علم اليقين، وتعلم ركائز الموقف الفلسطيني جيدًا، وحدود ما يقبل به الرئيس أبو مازن، وحدود ما لا يقبل به. وفي ذات الوقت تدرك خلفيات الاستعصاء الاسرائيلي جيدًا، وزيف الرواية الاسرائيلية. واليوم الرئيس يذهب متسلحًا بالدعم الشعبي الفلسطيني لهُ والقوى الدولية المؤيدة لخيار السلام وروسيا الاتحادية والصين وغيرهما من الدول؛ وإن الفلسطينيين برغم الربيع الدموي ومحاولة أمريكا فرض تسوية مُذلة لنا ولصالح إسرائيل مستغلة الوضع العربي المفكك- لكن قضيتنا الفلسطينية بها الكثير من عناصر القوة أهمها، عدالة قضيتهم والشرعية التي ستحوذها، والظلم الذي يتعرض له شعبنا المحتل، وتكمن في القوة الأخلاقية لقضيتهم ونضالهم كشعب تحت الاحتلال تعرض لأقسى أشكال العدوان والتذويب. ومصدر القوة الآخر، هو صمود الشعب فوق أرضه متشبث بها- و كذلك كان دور الرئيس أبو مازن وصمودهِ وخطابهِ الرائع والمؤثر في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر من العام 2012 عندما طالب بعضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة، وهي أن لا مفاوضات في ظل الاستيطان وأنه لابد من تغيير مرجعيات التفاوض في إطار زمني صارم ينهي الاحتلال ويعيد للفلسطينيين حقوقهم- إن زيارة الرئيس أبو مازن إلى واشنطن، هي رحلة القضية الوطنية الفلسطينية، لا رحلة الرئيس، هو طريق الآلام والتي تؤكد التحليلات من تعرضه لضغوط هائلة سيتعرض لها من الوسيط الأمريكي الغير نزيه،،، وإن الشعب الفلسطيني وقواه ومكوناته المختلفة وبعيدا عن ترف التحليل وبؤس الخطاب، في غالبه، والانقسام البغيض، مطلوب منه أن يعيد الاعتبار لنفسه بالانتصار لقضيته في مقاومة الضغوط التي يتعرض لها وفي إعادة تظهير الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف. ليذهب الرئيس إلى واشنطن طوعا أو كرها متسلحا بإرادة شعبه وقواه الحية في معركته التي يخوضها أو التي أجبر على أن يخوضها نيابة عن الفلسطينيين، وأقصي ما يمكن تحقيقه من تلك الزيارة هو الضغط الأمريكي لتأجيل المفاوضات في ظل وضع عالمي متأزم بشأن المشكلة الروسية الأوكرانية والتعنت الإسرائيلي والتنكر لحقوقنا الوطنية؛ والمطلوب منا كشعب فلسطيني الدعم الكامل والخروج الشعبي لدعم مواقف الرئيس للصمود على الثوابت الوطنية الفلسطينية.