اوكرانيا عنوان لغباء الغرب -عمر حلمي الغول
منذ نوفمبر تشرين الثاني 2013 والازمة الاوكرانية تتصاعد بين تيارين كل منهما يمثل ثقل في مكونات اوكرانيا التاريخية. إتجاه يمثل الجزء الغربي، الذي يتحدث اللغة الاوكرانية، والجزء الشرقي، الذي يتحدث اللغة الروسية. وبالتالي التجاذب والاستقطاب لم يكن وليد اللحظة السياسية، وإن تجلت الازمة بين الاتجاه الغربي (القومي الاوكرواني) المنحاز لتعميق العلاقة بالغرب عموما من خلال الانضمام للاتحاد الاوروبي، وبين الرئيس المخلوع يانكوفيتش، الذي يمثل الاتجاه الشرقي، الذي يميل لتوطيد العلاقة الاستراتجية مع روسيا الاتحادية، ويدافع عن الاتفاقيات المبرمة معها.
ولا يضيف المرء جديدا، حين يعيد الذاكرة للوراء مع تشكل الهويات القومية واسواق الدول الناشئة بعد دخول عصر النهضة وتجلي التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية الرأسمالية في المشهد العالمي ، التي وسمت التاريخ البشري بسماتها بعد القرن السادس عشر، فاشعلت الحروب بين القوميات الحديثة لتقاسم النفوذ في المستعمرات. ولم تكن اوكرانيا خارج دائرة النفوذ الروسي او مجرد جار، لا بل جزءا اساسيا منها، ولعل من يعود لمعركة بولتافيا 1709، التي اشتعلت اوارها على الارض الاوكرانية، يدرك تلك الحقيقة، حيث كانت عنوانا من عناوين الحرية الروسية.
إذا اوكرانيا ليست مجرد جار لروسيا كما يقول هنري كيسنجر، وزير الخارجية الاميركي الاسبق، بل هي جزء اساسي من معادلات السياسة الروسية. ولا يمكن لروسيا بوتين ان تغض النظر او تترك الاتحاد الاوروبي، يلعب في حديقته الخلفية. ويخطىء الاوكرانيون القوميون في حساباتهم إن إعتقدوا، ان بامكانهم لي ذراع بوتين والقيادة الروسبة. وما كان ممكنا بعد إنهيار الاتحاد السوفيتي مطلع تسعينيات القرن الماضي، لم يعد كذلك الان، في ظل التحولات الاستراتيجية في مكانة الاقطاب الدولية. فالولايات المتحدة الاميركية تراجعت مكانتها الدولية، وصراخ ديك تشيني وبريجنسكي وغيرهما من قادة اميركا السابقين لم يعد يجدٍ نفعا، وما اشار له كيسنجر يعتبر عين العقل في القراءة الموضوعية للصراع المحتدم بين الغرب عموما من جهة وروسيا الاتحادية من جهة اخرى. حيث اكد على ضرورة ان يعي الغرب ومعهم الاوكرانيين القوميين جيدا، ان مصير اوكرانيا ان تكون جسرا للتواصل بين الغرب وروسيا. وليس موقعا للتجاذب والاستقطاب.
ويبدو ان روسيا الاتحادية ارادت ان تفقأ الدمل في القرم، بعد هروب يانكوفيتش من مقر الرئاسة لشرق اوكرانيا، التي يقع فيها ميناء ستفربول الاستراتيجي، الذي يرابط فيه الاسطول الروسي من خلال الاستفتاء، الذي تم في 16 اذار الحالي لاعادتها للتابعية الروسية كليا، لاسيما وانها لم تكن تاريخيا اوكرانية، بل منحت لها زمن تولي خرتشوف، الامين العام الاسبق للحزب الشيوعي السوفييتي عام 1954، غير مبالية بتهديدات الغرب عموما واميركا خصوصا. لانها تدرك ايضا، ان تهديات ادارة اوباما والاتحاد الاوروبي غير جدية، لان الواقع الجديد والمصالح المشتركة للدول المختلفة (روسيا والغرب) لا تسمح باشعال نيران اية حروب. بالتأكيد أعادت الازمة الاوكرانية رياح الحرب الباردة، لكنها لن تشعل فتيل اي حرب نووية، وبالتالي اللغة الديبلوماسية والاقتصادية ستكون الناظم لاعادة تنظيم العلاقة بين الاقطاب المذكورة.
ومن خلال قراءة المصالح المشتركة بين روسيا والاتحاد الاوروبي يعي المرء حدود التشابك، الذي يحول دون تطير هذا الفريق او ذاك. فروسيا تمد الاتحاد الاوروبي 31% من وارداته من الغاز؛ و27%من البترول؛ و24% من الفحم؛ و30% من اليورانيوم، اضف الى ان روسيا ثالث اهم مزود كهرباء لاوروبا.
كما ان الاتحاد الاوروبي ليس اكبر شريك لروسيا، بل يمثل سوقا استهلاكية ل88% من الصادرات الروسية للبترول، و70% من صادرات الغاز، و50% من الفحم.
لذا كل القوى ستأخذ بعين الاعتبار المصالح المشتركة لبعضها البعض. صحيحي لن يكون هناك إستسلام من قبل طرف لإخر، المرجح ان يكون هناك تسوية تأخذ بعين الاعتبار حقائق التاريخ والجغرافيا ومكانة اوكرانيا في المعادلة الروسية، دون التسليم بالسيطرة الروسية الكاملة عليبها. لكن معركة القرم، ستغض النظر عنها ، رغم التهويش الاعلامي القائم الان. وقادم الايام سيحمل الجواب على كل اسئلة الازمة الاوكرانية.
a.a.alrhman@gmail.com
oalghoul@gmail.com