قمة الغد .. حتى يصمد الرئيس..! ... -أكرم عطا الله
لا يهم غدا حجم الاختلاف أو الاتفاق بين الرئيس وبين كل القوى والفصائل الفلسطينية، فاللقاء التاريخي الذي سيكون مع الرئيس الأميركي يراد له أن يحسم ستة عقود ونصف العقد من الصراع مع محتل ما زال يلاحقنا في كل تفاصيل حياتنا لنرحل مما تبقى من هذا الوطن بعد أن قرر حين أقام دولة على كومة جثثنا أن يرتكب أكبر عملية تزييف وإزاحة لتاريخ كان قد استقر على هذه الأرض وكتب اسمنا على كل تلة رمل وكل صخرة وما زال محفورا عليها رغم كل عوامل التعرية والتهجير وعلى كل المنحدرات التي ما زالت تحتفظ بآثار خطانا.
ليس مهما هنا التفاصيل التي سقطت من وعينا ومن تجربتنا التي شابتها جملة أخطاء المسيرة وكان بإمكاننا أن نكون أحسن كثيرا، لكن ما يهم أن الرئيس حمل في حقيبة سفره ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا وأكوام جماجمنا ونهر دمنا الذي سال غزيرا ورحلة اللجوء الطويل ورواية الآلام التي سار عليها شعبنا حاملا صليبه لكن المسامير كانت مغروسة في كل تفاصيل جسده وهو يرحل من عاصمة إلى مثيلتها ومن مطار إلى حيث اللفظ والترحيل والطرد وكأن على الفلسطيني أن يستجيب للقدر اليهودي بأن يختفي عن هذه الأرض.
ولكنه عاد ليس مستشهدا كما قال مارسيل خليفة في رائعته "أجمل الأمهات"، عاد حاملا بندقيته وغصن زيتونه يجوب العالم باحثا عن السكينة والسلام فتلسعه برودة الوحدة والتخلي عنه من جديد وحيدا في معركة السياسة كما كان وحيدا في معركة الرصاص والحجارة لكن الإرادة كانت لهذا الشعب زاده وزوادته التي تسلح بها في عالم يحيطه الظلم من كل الاتجاهات، وغدا، سيتعرض الرئيس لأخطر حملة ضغوطات تكثفت جميعها في هذا اللقاء أعزل من الرفاق والأصدقاء إلا من إرادة تجسد هذا الشعب العصي على الانكسار والقابض على جمرة حقوقه ولم يتعبه التشتت والترحال.
غدا، محطة من أهم محطات التاريخ الفلسطيني إذ يأتي لقاء القمة المفتوحة الذي لم يحدد موعد العودة فيها لتشبه كل الأشياء المعلقة في تاريخنا يأتي اللقاء في ظل حالة من الضعف العربي بعد هذا التكسر المنظم الذي اجتاح الإقليم فجأة سواء بإرادة شعبية ثورية بريئة أم بإرادة دول عربية غير ثورية، النتيجة أن حالة الضعف تلك تترك ظهر الفلسطيني مكشوفا أمام الضغوطات التي يراد من خلالها أن يتنازل الرئيس الفلسطيني إلى أقل من الإجماع الوطني نزولا إلى سقف النزوات الإسرائيلية حيث بدا في الآونة الأخيرة أن الولايات المتحدة حملت جزءا منها.
في الكتيب الذي نشره الصحافي أكرم هنية قبل أكثر من عقد وهو يؤرخ لقمة "كامب ديفيد" التي حضرها مع الرئيس السابق ياسر عرفات كتب أن الرئيس عرفات وفي ذروة الضغط النفسي كان يبحث عن ممكنات قوة لشحن طاقته في التصدي، ظل يسأل أكرم هنية أن يبحث في الصحف عن خبر مسيرة أو تظاهرة مساندة له في أي عاصمة عربية وهو يتفاوض متمسكا بالقدس .. كان يحتاجها لتعزز صموده ليواجه أشرس حملة من الضغوطات كان يتمنى أن يقول، "لا يمكنني التنازل وخلفي أمة بأكملها تطالبني بمدينتها المقدسة كاملة.
الآن يتكرر المشهد وسيعيد أبو مازن على أكرم هنية نفس السؤال بفارق أربعة عشر عاما وهو السؤال الذي كان يبحث الراحل عن إجابة عنه ....عن قصاصة في صحيفة علّها تحمل خبرا عن مسيرة مؤيدة له في عاصمة عربية والأهم في شوارع المدن الفلسطينية وساحاتها العامة يتسلح نفسيا بها في وجه الضغوطات أو تمكنه من أن يقول للرئيس الأميركي، "أنظر شعبي كله في الشوارع يرفض أقل من دولة كاملة السيادة عاصمتها القدس وأنا لا أستطيع القبول بأقل من ذلك".
يجب ألا يترك أبو مازن وحيدا في معركته .. معركتنا كلنا... فهو يفاوض نيابة عنا جميعا ويتمسك عنا جميعا، يفاوض على حقوقنا ومستقبلنا ومستقبل أولادنا وحقهم في الحرية والحياة كباقي البشر وأي تنازل يقدمه الرئيس سندفع ثمنه جميعا وأي إنجاز يحققه سيكون لنا جميعا، الأمر الذي يتطلب من الجميع تجميد الخلافات جانبا ولو بشكل مؤقت ومن المهم أن يصمد أبو مازن في هذه المعركة التي تعد من أخطر معارك السياسة، ومن عمل في السياسة يعرف أن معاركها أكثر وعورة من المعارك العسكرية لأن مجال المناورة في ساحتها أضيق وخاصة حين تتقابل وتتواجه العيون.
صحيح أن الرئيس لم يعد بناء منظمة التحرير الفلسطينية، وصحيح أن الرئيس لم ينه الانقسام وصحيح أن هناك خلافات في حركة فتح وصحيح وصحيح .......لكننا الآن في المصيدة ولا يفيد كل حديث التمنيات ونصائح ما بعد فوات الأوان بأنه لو سلك طريق كذا لكان الأمر أفضل .. قد يكون ذلك صحيحا تماما لكن هذا هو الواقع، فغدا صباحا ستكون القضية الفلسطينية برمتها على طاولة أخطر قمة في تاريخها وشاءت الأقدار أن يكون أبو مازن هو الرجل الذي يتصدر المشهد ومطلوب منه أن يصد بشعبه الأعزل وبصدره العاري إعصارا من الضغوطات ستحمله شمس صباح الغد في واشنطن.
في هذه اللحظة التاريخية من المهم الترفع عن الخلافات نحب الرئيس أم نكرهه، نؤيده أم نعارضه، نقدسه أم نتمنى أن يغادر المسرح، هنا ليس مهما حين نطالبه بأن يقبض على جمرة الإجماع الوطني ويتصدى بعناده المعروف لأعتى قوة مدججة بإمكانيات استطاعت بجزء بسيط منها تغيير خارطة العالم في العقود الماضية وإقامة دول وإنهاء أخرى وتنصيب قيادات وشطب زعامات وقد يدفع أبو مازن ثمن هذا العناد كما الرئيس الشهيد ياسر عرفات وقد تتكرر رواية التراجيديا الفلسطينية ببطلها الذي ما أن يصل لحظة الحسم حتى تكون زيارته الأخيرة لواشنطن فيعود حاملا كفنه ليضعنا جميعا أمام حساب الضمير كما فعل ياسر عرفات أو كما فعلنا مع ياسر عرفات.
ممنوع أن يضعف أبو مازن أو يشعر للحظة أنه وحيد في معركة الضغط ومن المهم أن تبقى مصداته النفسية قادرة على مواجهة كل ما يمكن أن يتعرض له، كان يتوجب إيجاد معادلة ولو مؤقتة قبل هذا اللقاء وفي المتبقي من زمن للمفاوضات تتمثل في تشكيل جبهة عريضة داعمة له مقابل ألا يقبل بأقل من دولة كاملة السيادة وعاصمتها القدس وفي هذه المعادلة التي تعلو على الخلافات ما يمكننا جميعا من الصمود تجربة الزعيم الراحل ما زالت ماثلة ويجب ألا تتكرر ..!