جواب قديم عن سؤال جديد... - عدلي صادق
تتنوع الشكوى الفتحاوية وتتسع، ويتسرب الى القاعدة، إن لم يكن قد غمرها؛ إحساس بلا جدوى الأطر القيادية، في ذات الوقت الذي ما زالت فيه هذه الحركة الرائدة قوية وكبيرة في المجتمع، وشبيهة الناس وحاملة أمنياتهم وهمومهم، وقيثارتهم!
فلماذا توصف الأطر القيادية باللا فاعلية، بينما الحركة نفسها ما زالت ـ من حيث هي وجهة وفكرة وتراث وطني وكفاحي ـ تحظى بثقة المجتمع الفلسطيني؟ وما الذي يتعين على هذه الأطر أن تفعله، لكي ترقى الى سوية هذه الثقة الغالية من قواعد الحركة ومن الناس؟
الجواب عن هذا السؤال، أن لا شيء تفعله الأطر القيادية أكثر مما فعلت. فقد ناقشت كل شيء وتعرضت لكل مكامن الضعف والخلل في بنية السلطة، وطرح أعضاء هذه الأطر آراءهم في شتى جوانب الشأن العام، من حيث هي تفصيلات. لكن تحول هذه الآراء الى اجراءات نافذة، لم يكن وارداً. هنا، يمكن بمنطق التحليل أن نجزم، أن مداولات "المجلس الثوري" للحركة، ظلت تراوح خارج مربع السياسة بشقيها إدارة حياة المجتمع، وإدارة الصراع الذي نواجه فيه تحديات سياسية وأمنية يومية.
الرئيس عباس، طرح على "المجلس الثوري" سؤالاً طلب المشاركة في الإجابة عنه: ماذا نفعل في حال أصرت "حماس" على التهرب من استحقاقات المصالحة؟
في الحقيقة كنا أجبنا مبكراً عن هذا السؤال، على قاعدة إدراك مبكر أيضاً، أن "حماس" لن تصالح ولن تشارك وأنها سعيدة بالهيمنة على غزة، وكانت ترى في هيمنتها، مشروعاً لقيام الجغرافيا السياسية الأولى على الخارطة لجماعة "الإخوان" الممتدة في الإقليم. قلنا في جوابنا، إن النظام السياسي الفلسطيني، الذي حاول احتواء "حماس" فوجئ بانقلابها عليه. وكان الانقلاب الدامي سهلاً على المستويين النظري والعملي. فعلى المستوى النظري، دخلت "حماس" الى نظام السلطة السياسي، دون أي اشتراط عليها، بأن تلتزم بالمحددات التي قام عليها هذا النظام أصلاً. ولم يخطر ببال أحد، أن يناقشها في شيء. كل ما خَطَر على البال، هو أن تقبل الدخول، وأن تشارك في الانتخابات التي رفضتها سابقاً وأفتت بحُرمتها شرعياً. وغاب الافتراض بأن السباق الانتخابي الذي يمكّن القوى الفائزة من أخذ الدور الأهم في الحكومة؛ تراه "حماس" سباقاً على الاستحواذ على النظام السياسي كله. وشتان بين الفوز بحكومة والاستحواذ على النظام السياسي للمجتمع، أو على الدول مثلما هو الحال في الأقطار المستقلة!
ما كان ينبغي عمله، في اليوم التالي للانقلاب، هو استعادة النظام السياسي الذي تمردت عليه "حماس" في غزة. وكان لدينا رئيس منتخب حديثاً، ويحظى بشرعية دستورية، وبمقدوره إصدار مرسوم بتعديل قانون الانتخابات لكي تُجرى انتخابات أخرى عامة، خلال شهرين، بالطريقة النسبية، فتشارك غزة في قوائم القوى الوطنية بالترشيح ولا تشارك في التصويت بسبب منعها من قبل ميليشيا "حماس". عندئذٍ تتوافر لنا سلطة الرقابة والتشريع، وتكون "فتح" مؤثرة وحاضرة في قلب السياسة، تستمع الى بيان الحكومة وتجيزه أو ترفضه، وتحسم مسألة التشكيل فتعتمد الوزارة أو تطالب بتغييرات قبل اعتمادها. هنا يصبح للأطر تأثيرها، وتعود "فتح" الى قلب السياستين الداخلية والخارجية. إن ما جرى، شطب الدور الفتحاوي الحاسم على هذا الصعيد، وأعطيت الصلاحيات لحكومة تسيير أعمال لا مرجعية تشريعية لها ولا رقابة عليها. وبهذا الحال غابت السياسة عن المشهد، في الضفة وغزة، وحلّت الإدارة التي أظهرت ارتجالاً وتركيزاً على الشؤون المالية والوظيفية التي جرى تسييرها بارتجال أفدح. وبالمحصلة، تكون "حماس" لم تُجهز على النظام السياسي الوطني في غزة وحسب، وإنما أجهزت عليه في الضفة أيضاً. وحتى عندما خضنا في مقاربات ما يُسمى بـ "المصالحة" كنا في المضمون كمن يدعو "حماس" الى المشاركة المتكافئة معنا، في صياغة النظام السياسي من جديد، وهذا ما أكدت عليه عدة بنود من اتفاقيات معلقة، لإنهاء ما سماه الناطقون انقساماً!
لو أننا بدأنا في اليوم التالي لانقلاب "حماس" بإعادة بناء النظام السياسي، لما وجدنا أنفسنا اليوم، معرضين لمكافئة الانقلاب بإعطائه حقاً في صياغة النظام السياسي. كنا سنصبح نظاماً ناجزاً، له تجربته ومحدداته ومنظومته القضائية وعلاقاته الدولية، ويكون هذا النظام أيضاً قد أعلى من شأن الوثيقة الدستورية وبات جاهزاً لطرح اشتراطاته على الطرف الراغب في تسوية أموره، بعد أن بات معزولاً وعَزَل غزة معه، على أن يدخل اليه وفق الشروط السياسية والأمنية، ووفق العناصر الرئيسة التي لا تقوم الكيانات ولا الدول بدونها!