انسداد باقٍ لم يفتحه اللقاء...- عدلي صادق
انسداد باقٍ لم يفتحه اللقاء لم تُلقِ الإدارة الأميركية بكل ثقلها، لإلزام نتنياهو بمرجعيات عملية التسوية، وبالكف عن الغطرسة ومحاولة الابتزاز. فها هو اللقاء المرتقب، في واشنطن، يجعل إدارة أوباما أمام أحد خيارين: إما الإعلان عن فشل جهودها، أو طلب مهلة زمنية جديدة.
ما تبقى كان كلاماً فضفاضاً أو تعبيرات فاقدة للدلالة، كأن يُطلب من الرئيس الفلسطيني قرارات "شجاعة" أو "جريئة" وهذه مصطلحات تُقال لمن يتخطى حدود حقه في ميادين السياسة والحرب، حتى يصبح معنى الجرأة والشجاعة، أن يتوخى الحكمة بالوقوف عند حدود ما له، دون أن يتجاوزها مستأنساً بغطرسة القوة.
الشجاعة والجرأة، مطلوبتان هنا، ممن يمضغون الأساطير ويتمسكون بالاحتلال، ويصرون على تطابق السياسة والممارسات والمواقف في النزاع؛ مع هواجس المتطرفين الظلاميين الذين يريدونه صراعاً بلا حدود.
المهلة التي يريدها الأميركيون، لن تجدي نفعاً إن لم يغيروا طريقة تعاطيهم مع حكومة المتطرفين. فحتى الآن لا نسمع سوى التشكي الحزين بلسان جون كيري، الذي أعرب بمرارة عن أسفه لاتهامات هؤلاء المتطرفين له.
فقد أسمعوه ما يحبطه وينغّص عليه، إذ قال وزير الحرب موشي يعلون، إن كل مواقف جون كيري الى جانب إسرائيل لا تضمن له أن يكون "نزيها" علما بأن الرجل لم يفعل شيئاً سوى أنه، في شهادته أمام مجلس النواب الأميركي، ذكر بأن الإصرار على إلزام الفلسطينيين بالاعتراف بـ "يهودية الدولة" كان خطأ. ولم يقل كيري ذلك إلا لأسباب عملية، على الرغم من وجود الكثير من الأسباب التي جعلت تماشي الأميركيين مع مطلب نتنياهو معيباً وشائناً ومخالفاً لدساتير الأمم وشروط قيام الدول العصرية ومناقضاً للعلمانية التي يتبناها الغرب كأساس لقيام الأنظمة الفعالة التي تتوخى العدل لرعاياها.
ابتزاز حكومة نتنياهو للأميركيين، ومحاولتها اضعاف دورهم وموقفهم، عبر عنه يعلون أيضاً، عندما اشترط تنفيذ المرحلة الرابعة من إطلاق الأسرى القدامى، بإطلاق واشنطن للجاسوس جونثان بولارد.
وثمة وزير آخر في حكومة نتنياهو، هو يعقوب بيري، أضاف عاملاً آخر معرقلاً، وهو نفي اعتزام إسرائيل إطلاق الأسرى من مناطق الـ 48.
وأمام هذا التعنت الإسرائيلي، لم يجد الأميركيون سوى الإعراب عن تشاؤمهم، واستغرابهم من هذه الغطرسة الإسرائيلية. عندئذٍ لم يبق أمامهم، حيال حكومة نتنياهو، إلا أحد اثنتين، إما الإعلان عن فشل المساعي الأميركية أو تغيير منطق السياسة الأميركية على النحو الذي من شأنه جعل إسرائيل تشعر بأنها تواجه الكثير من المصاعب الدولية ومن العزلة، وسيكون هذا كافياً لكي تتفاعل السياسة الداخلية الإسرائيلية لغير صالح نتنياهو وحكومته المتطرفة.
وفي الواقع، لن يجرؤ أوباما على الأخذ بخيار تغيير منطق السياسة الأميركية، على الرغم من استخدامه المتكرر لتعبيرات من شاكلة "خطوات جريئة" و"خطوات شجاعة".
إن الشجاعة الحقيقية المطلوبة بإلحاح، تتمثل في موقف أميركي ينسجم مع قناعات الإدارة كطرف يعرف التفصيلات ويعلم يقيناً أن المسؤول عن انسداد أفق التسوية هو نتنياهو دون سواه.
فما يطلبه من الطرف الفلسطيني ليس الجرأة وإنما التجرؤ على مرجعيات عملية التسوية وعلى الحقوق الفلسطينية، وهذا لن يكون!
فشل الأميركيون في التقدم خطوة، لأن اتفاق الإطار الذي يتمنونه ليس واقعياً ولا عملياً، لا سيما وأن الأوساط الإسرائيلية الحاكمة لا تؤيد أية صيغة أو مقاربة تساعد على التوصل الى تسوية، ويعلم الأميركيون هذا جيداً. ومثلما توقعنا، لم يكن اللقاء حاسماً، إذ لم يُطرح شيء يكون القبول به مخاطرة فلسطينية ويرضى به المحتلون، ويفتح الانسداد.
فما يريدونه اليوم هو تمديد أمد المفاوضات، بينما إدارة أوباما تعلم سلفاً، أن الحاكمين في إسرائيل ليسوا مهيئين مهما طال أمد التفاوض ومهما مر من زمن على إعطاء المهلة تلو الأخرى للطرف الإسرائيلي.
هناك أوساط سياسية اميركية، تحاكي أوساطاً إسرائيلية، في خشيتها من خسارة العملية السياسية برمتها، على اعتبار أن انهيار هذه العملية، سيضع إسرائيل في موقف الإدانة، ويُفقد واشنطن دورها في السياسة الدولية، وهذا ما لا ينقصها، بعد التطورات التي حدثت في العديد من المناطق وآخرها في جزيرة القرم.