فيديو- قبر السلطان - فاطمة إبراهيم
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
ذات نهار دافئ من شتاء عام 2014، قادنا البحث برفقة مجموعة من دارسي الآثار بجامعة 'السوربون' الفرنسية في منحوتة صخرية، إلى التعرف على أحد ملوك الحضارة الهلنستية العائدة لعام 323 قبل الميلاد، والتي تطورت منها قرية قراوة بني حسان.
القرية الممتدة على تلة تبعد عن مدينة سلفيت باتجاه الغرب 13 كم؛ محاطة بأربع مستوطنات، وتضم أراضيها عددا من المواقع الأثرية العائدة لحقب مختلفة كالرومانية والكنعانية. أحدها يطلق عليه اسم 'دار الضرب'، وهو عبارة عن غرف بنيت داخل الصخر، ويعتقد أهالي البلدة أنها شيدت لسك العملة الرومانية.
يقول عزيز عاصي نائب رئيس بلدية قراوة بني حسان: 'في الروايات القديمة ورد أن العملات سُكّت هنا، والقوافل التجارية القادمة من بلاد الشام كانت تمر بهذا المكان، قبل أن تكمل طريقها إلى شبه الجزيرة العربية'.
حسين مدينة وزملاؤه من دارسي الآثار يشككون في هذه الرواية، التي لا تدعمها أي معلمومة تاريخة. يقول مدينة: 'الدراسات والرسومات الدقيقة التي أجريت للموقع عام 1873 من قبل الرحاله الفرنسي 'السيرجن بلاك'، تظهر بأنه موقع جنائزي. نحن نرى ثلاث حجرات دفن في الموقع. هذا واضح جداً'.
'العمال القدماء كانوا يدخلون على مرؤوسيهم بقامات منحية، كدلالة للاحترام'، هكذا يفسر عزيز سبب قصر الأبواب واقترابها من الأرض. وهي رواية تفتقر أيضا لأي دليل موثق.
في المقابل، يقول مدينة: 'تعليل ذلك يعود إلى نظريتهم الأمنية. فقصر الأبواب مرده المحافظة على محتويات المقبرة وحمايتها من اللصوص'.
بعد اجتياز البوابة الضيقة القصيرة تطالعنا ثلاث حجرات. في الداخل لك أن تتخيل أنّ الملك 'الهلنستي' دفن على إحدى المصطبات المتوزعة هناك، وإلى جواره جمعت كنوزه وحفظت، لكن خيالك هذا لا يلبث أن يشوش بحقيقة وجود من عبث في المقبرة وقام بتخريبها.
'التوابيت نهبت. للأسف كل الدلائل تشير إلى أن توابيت هذا القبر نهبت' يقول حسين مدينة محركا رأسه يمنة ويسرة في إشارة لعدم الرضى، قبل أن ينوه إلى زيارات وأبحاث حول الموقع أجريت قديماً، كمسوحات غرب فلسطين التي قام بها 'كتشنر' العالم الأثري عالم 1873، إضافة إلى مقارنته بمواقع مشابهة كمقبرة إحدى الأميرات في مدينة القدس، ما يثبت أن الموقع الملقب بـ'دار الضرب' يمثل مقبرة هامة، حال إهمالها على مدى السنوات الأخيرة دون الكشف عن أسرارها من قبل مختصي الآثار.
النظام المعماري المتبع في موقع 'دار الضرب'؛ يظهر أنه يعود للفترة ما بين القرنين الأول والرابع الميلادي، لكنه يقع ضمن حدود المنظقة المصنفة سياسيا بـ(ج) أو (C) والخاضعة لسيطرة الاحتلال الإسرائيلي، الذي يمنع وفق وزارة السياحة والآثار الفلسطينية أي محاولة لارسال بعثات مختصة للكشف عنه أو تأهيله، ليكون موقعا سياحيا يقصده الزوار والمهتمون.
في حين تحمّل بلدية قراوة بني حسان مسؤولية إهمال المواقع الأثرية فيها لوزارة السياحة، يرى حسين مدينة أن المشكلة ثقافية صرفة، فالوعي بأهمية التراث الثقافي غائب عن الأذهان وحتى عن المناهج المدرسية، إضافة إلى العزوف عن دراسة الآثار في الجامعات الفلسطينية لعدم توفر الوظائف. ويضيف: 'وزارة السياحة تستطيع ممارسة دورها في المناطق الخاضعة لسيطرة السلطة فقط'.
وكيل وزارة السياحة طه حمدان قال لوفا في مقابلة سابقة: '70 % من المعالم الأثرية في محافظة سلفيت والتي تزيد عن مئة موقع؛ تقع ضمن المنطقة (ج) أو (C)، وهذا ما يحول دون وصول أيدي الوزارة إليها لترميميها. دار الضرب استعمل لدفن شخصيات مهمة في مجتمعاتهم'.
على طول 5000كم مربع هي مساحة الضفة الغربية، يوجد ما يقارب 7 ألاف موقع أثري لم تصل وزارة السياحة إلى الكثير منها، لضعف الكوادر ونقص التدريب إضافة لمشاكل السيادة على الأراضي المحتلة.