بوابة سجن عوفر لم تفتح يوم التاسع والعشرين من آذار- عيسى قراقع
وقفنا مساء يوم 29/3/2014 أمام معسكر سجن عوفر بانتظار الإفراج عن 30 أسيرا فلسطينيا ضمن الاتفاق الذي ابرم مع الجانب الإسرائيلي وبرعاية أمريكية.
لم نر خلف باب السجن سوى جنودا يحتشدون مدججين بأسلحتهم وببنادق الغاز والقمع، يختبئون خلف الليل الذي بدأ يزداد عتمة وصمتا وحذرا وكأن من هناك جاهز لاغتيال الفرحة والبهجة والانقضاض على كل لقاء أو عناق على الأرض وتحت السماء.
عطلت حكومة إسرائيل الإفراج عن الدفعة الرابعة ، لا زال القيد في أيدي الأسير كريم يونس، ومازالت أم شادي الطوس تراوغ الوقت في غيبوبتها منذ ثلاثة شهور إلى أن يعود زوجها محمد ليضع حدا لهذا النسيان ويحرك ما يشفي الذاكرة.
بوابة عوفر لازالت مغلقة، لأن حكومة تل ابيب أرادت أن تقبض الثمن ثلاث مرات: مرة عندما جمدنا توجهنا للانضمام للمؤسسات والاتفاقيات الدولية والإنسانية ، ومرة عندما استفحلت اسرائيل بالمزيد من بناء المستوطنات بطريقة غير شرعية خلال جولات المفاوضات، ومرة عندما تطالب بإطلاق سراح الجاسوس الإسرائيلي جوناثان بولارد.
هذا الابتزاز الإسرائيلي المركب، يشير بوضوح إلى أن حكومة إسرائيل لا تملك أي مصداقية في تحقيق تسوية عادلة بالمنطقة، وأنها حكومة تعتقد أن المفاوضات وشعارات السلام شكل آخر من أشكال الحرب والسيطرة والانقضاض على الحقوق الشرعية للشعب الفلسطيني.
إن رفض الرئيس أبو مازن والقيادة الفلسطينية كل أشكال المقايضة والمساومة سواء من حيث تمديد المفاوضات أو استثناء 14 أسيرة من الداخل 1948، أو التلاعب بأسماء المفرج عنهم، ومحاولاتها تحقيق مطالب على حساب المرجعيات الأساسية والمصيرية لحقوق شعبنا الفلسطيني، يشير أن معركة كسر قوانين الاحتلال الإسرائيلي قد بدأت، وأن التبعية لمرجعيات هذا الاحتلال و اشتراطاته قد انتهت، وأن الشعب الفلسطيني مقبل على معركة من نوع آخر، ساحاتها أكبر من ساحات دولة السجون والمعسكرات ألا وهي الساحة الدولية ومؤسساتها الأممية.
بوابة سجن عوفر لم تفتح ، ولكن قضية حرية الاسرى أصبحت هي العنوان كتكثيف للنضال التحرري والوطني، ولأهمية الإنسان المناضل الذي لن يترك هذه المرة وحيدا خلف القضبان ، أو خلف أي اتفاق أو تسوية سياسية مهما كانت.
موقف الرئيس بان كل شيء أصبح مرهونا بأن تقوم حكومة تل ابيب بفتح بوابة سجن عوفر والإفراج عن الدفعة الرابعة، هو رسالة الأمل الإستراتيجية والعميقة لكل المظلومين والمعذبين بالسجون ولعائلاتهم التي تنتظر طويلا، وأن السلام الحقيقي يبدأ عندما تنتهي عذابات الاسرى وتكسر قيودهم ويتحرروا من تلك الظلمات.
ويتكامل موقف الاسرى مع موقف قيادتهم عندما أعلن كريم يونس أقدم الاسرى بالسجون بأنه مستعد أن يبقى مائة عام أخرى بالسجن رافضا أن يستخدم الاسرى عنوانا وأداة للضغط والمساومة وعلى حساب كرامة وحرية الشعب الفلسطيني.
وحتى تفتح بوابة سجن عوفر فإن فلسطين كدولة عضو مراقب في الأمم المتحدة ستكون موجودة ضمن القوانين والآليات الدولية لحقوق الإنسان وضمن منظومة الأمم المتحدة والتصديق على المعاهدات وتفعيل تلك القوانين كمرجعية، لأن أرضنا ليست أرضا متنازع عليها بل أرضا فلسطينية محتلة، مما يرتب مسؤوليات قانونية على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة حول دولة فلسطين الواقعة تحت الاحتلال.
بوابة سجن عوفر بقيت مغلقة، ولكننا سمعنا حركة داخل السجون، صوت قديم يتجدد ويتقدم من الجنود الذين أغلقوا كل الأبواب، خطوات لم يروها ، أسرى خلعوا قمصان السجون البنية، أياديهم محررة وطليقة، وسمعنا زغرودة عالية جدا من أم الأسير ناصر أبو حميد ، الخنساء التي أربكت الحراس وهزت الجدران والأسلاك.