يوميات المعركة- اليوم الخامس (الجمعة) 5/4/2002: كمين في حارة الطوالبة، وجثث شهداء على دفعات- النائب جمال حويل
تحت غطاء كثيف من إطلاق من رشاشات المروحيات عيار (800،500)، كانت قوات الاحتلال الإسرائيلية تقوم بتمشيط المنطقة بالقرب من بيت محمود طوالبة (قائد سرايا القدس) لتغطية التقدم بشكل بطيء (جندي-جندي) حتى وصلوا إلى بيت سري سمور الذي يقع قبالة بيت محمود طوالبة، فكشفهم المقاومون، ودار اشتباك طول بينهم، واتصل القائد أبو جندل بنا، وطلب قطعتين إم-16، أي إنه يريد مقاومَين معهما قطعتي إم-16، وذلك لتعزيز تواجدهم ومقاومتهم لتقدم الجنود الصهاينة.
(وكما هو معروف، فإن رصاص إم-16 متوفر بشكل كبير وأرخص من رصاص الكلاشنكوف، فكان الاتفاق بين المقاومين، إذا أمكن، استخدام سلاح كلاشنكوف أثناء الهجوم لقوته وسهولة التحرك به، واستخدام الـ إم-16 لتغطية الانسحاب بسبب كثرة الرصاص وتوفره، علماً بأن فارق الدقة بين البندقيتين قد زال تماماً بسبب قرب مسافة الاشتباك التي لم يعد فيها من قيمة لمسألة دقة الـ إم-16 التي تتفوق بها على الكلاشنكوف، فيما زادت قيمة قوة الكلاشنكوف نتيجة لقرب مسافة الالتحام! )
... ونتيجة لاتصال أبو جندل، فقد ذهب لمساندته كل من المقاومين إبراهيم جبر ومحمود طوالبة ومحمد النورسي (وهو نقيب في جهاز المخابرات الفلسطينية العامة، وسجين سابق لمدة 8 سنوات)، حيث التقوا مع أبو جندل والمقاوم عطا أبو ارميلة (أمين سر حركة فتح في إقليم جنين حالياً) والأسير حسان عويس، والأسير مجدي أبو وفا، حيث دخلوا من بيت أبو ساطي، ثم بيت محمود طوالبة، المقابل للبيت الذي يتواجد فيه الجنود مباشرة (وهو بيت سري سمُّور) بمسافة لا تزيد عن عشرين متراً. عندها، فتح المقاومون النار فجأة، ودون أن يشعر بهم الجنود الصهاينة، فبدأوا بالصراخ والعويل والنداء بالعبرية: "أيما، آبا" (أمي، أبي)، وطلب النجدة والمساعدة. وقام محمود طوالبة بتفخيخ جرة غاز وإلقائها باتجاههم، حيث انفجرت بالمكان. وقد أصيب في المعركة محمود طوالبة بيده إصابة سطحية خفيفة، وأُصيب مقاومان آخران، وقتل وأصيب ما يقارب إثنا عشر جندياً إسرائيلياً، ما أسهم في رفع معنويات المقاومين حدَّ السماء. وقد رجعت المجموعة المساندة لأبو جندل وأبو ارميلة إلى موقعها بسلام. ويذكر، على لسان المقاوم عطا أبو ارميلة، أن تلك المواجهة شهدت استلحاماً بطولياً استخدمت فيه أسلحة بدائية، أو على حدِّ قول أبو ارميلة: "كل ما وجد. إطلاق نار. أكواع متفجرة. قنابل ملوتوف. حجارة. طوب...وحتى أحذية!"
ومما تمت ملاحظته في هذه المعركة أن بعض المقاومين سمعوا إطلاق نار من سلاح كلاشنكوف في اتجاههم، فظنوا أنه إطلاق نار خاطئ، أو ما يعرف بـ"نيران صديقة"، ولكن نظر بعضهم (مثل أحمد طزازعة وعمر عطيان) من الطاقات المخصصة للمراقبة، فتفاجئوا بأن هناك فرقة من القوات الإسرائيلية تستخدم الكلاشنكوف للتمويه على المقاومين، وربما كانت، مثلنا تستفيد من فاعلية الكلاشنكوف في المعارك الاستلحامية! وقد تواجد في هذه المواجهة أشبال أذكر منهم رجا قنيري ومجاهد قنيري. كما أذكر أن قوات الاحتلال الإسرائيلي، وأثناء تقدمها إلى جورة الذهب، عثرت على عبوات ناسفة في منزل الشهيدين أمجد ومحمد فايد، وقام سلاح الهندسة لديهم بتفخيخ المنزل المكوَّن من ثلاث طبقات وهدمه في صورة شهيرة أعيد بثها أكثر من مرة على فضائية الجزيرة، وظنَّ الناس أنها جاءت لإنهاء مواجهة "الكمين القاتل." وهنا، اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلية المواطن حسني فايد، وهو رجل كبير في السن بسبب العثور على بعض الأكواع المتفجرة بالقرب من بيته، رغم أنه لم تكن له علاقة بها، وتم ضربه بوحشية، وخاصة في حرش السعادة، حتى استشهد.
وفي مقابلة مع الجزيرة، في هذا اليوم، قال الرئيس الراحل ياسر عرفات، ويقصد شارون: "هذا ليس وطنه، بل وطني، ووطن الفلسطينيين، ونحن هنا قبل سيدنا إبراهيم!" وقد كان لهذه الكلمات كبير الأثر على نفوس ومعنويات المقاومين والمدافعين عن مخيم جنين. كما أنه في هذا اليوم قتل مقدم في الجيش الإسرائيلي المحتل، وإصابة ثلاث آخرين. وقد تزامن مع ذلك تضييق للحصار الذي اشتد ومنع بشكل شبه نهائي وصول سيارات الإسعاف لنقل الشهداء والجرحى للدفن أو لتلقي العلاج، خاصة أنه في هذا اليوم كان هناك ثلاث شهداء وما يزيد عن خمسة عشر مصاباً. وممن استشهد الشبل منير وشاحي والذي أصيب في الصدر أثناء محاولته إلقاء أكواع متفجرة على جنود الاحتلال، وبسبب عدم وصول سيارات الإسعاف وتوفر العلاج، نقل من منزل إلى منزل، من بيت فيصل أبو سرية (والد الاستشهادي مصطفى أبو سرية) إلى بيت خليل النورسي-أبو محمد، وحاولت مجموعة من الأشبال (يقودهم الشبل رجاء قنيري والشبل ثائر أبو الباسل والشبل محمد أبو العباس) حتى وصلوا إلى بيت الألُّوب القريب من المستشفى ، فعادوا به من حيث أتوا، فبقي الشبل منير ينزف دون علاج حتى استشهد بعد ثلاثة أيام من إصابته، أي في اليوم الخامس.
وفي هذه الليلة أيضاً، تركز القصف على حارة الحواشين بشكل عنيف مع إلقاء قنابل ضوئية من المروحيات، والطائرات الاستكشافية (التجسسية/"الزنانة" أو "أم كامل" بالتسمية المحلية)، والدبابات، وكأن الليل صار نهاراً. وقد حاولنا وبعض المقاومين التنقل من بيت إلى بيت، فما أن نغادر البيت حتى يتم قصفه بالصواريخ. ويذكر أننا كنا موجودين في بيت الشيخ محمود أبو خليفة وأمه تقرأ القرآن متضرعة إلى الله أن يحمي المقاومين ويحفظهم من شر القوات الصهيونية الغازية، وما أن خرج المقاومون من البيت حتى تم اختراق السقف بصاروخ من طائرة أباتشي دون إصابة أحد، ربما استجابة لدعائها الطاهر وتضرعها إلى الله.
كما يجدر الذكر أنه في هذا اليوم، استشهدت المواطنة يسرى أبو خرج في مشهد سوريالي آخر من مشاهد المعركة. فأبو خرج بنت معاقة عقلياً، داخل الطابق العلوي من بيتها، بواسطة صاروخ أباتشي قطع أوصالها وجدائلها حدَّ أن جثتها قد انقسمت إلى عدة أشلاء بعضها في الجزء العلوي من البيت المهدَّم، والآخر في الجزء السفلي. ولم يتمكن أهلها وأهل المخيم من دفنها لحيلولة جيش الاحتلال دون تمكن الأهل من جمع أشلاء جثتها حتى اليوم الأخير من المعركة... حيث تم العثور على ضفيرتها!