يوميات معركة مخيم جنين- اليوم السادس السبت 6/4/2002: المقاومة مستمرة- وإسرائيل تلقي القنابل الفراغية- النائب جمال حويل
بعد خمسة أيام من هجوم القوات الإسرائيلية على مخيم جنين وفي محاولات اقتحامه والسيطرة عليه التي باءت كلها بالفشل، كان هناك عدد من الشهداء والمصابين، وتم اعتقال العديد من أهالي المخيم، كل عائلة في غرفة واحدة، مكبلين ومعصوبي الأعين، إذ تمت إهانتهم وتدمير محتويات بيوتهم، وكتابة الشعارات المعادية على الجدران، وكانت كثر من الشعارات شائنة وسافلة، وتضمن بعضها عبارة "الموت للعرب"...ولا عجب في ذلك، فقد كبير العسكر من جند العدو، شاؤول موفاز، يشرف على العلمية بنفسه في هذا اليوم.
كان هذا اليوم ماطراً، وكان البعض يقول إن الله معنا ليحمينا، وكنت من المؤمنين فيما كنت أفكر في قرارة نفسي، كذلك، بأن المطر سيبطل مفعول العبوات الناسفة المدفونة، وسيطفئ نار "التدفئة" والتعمية! وكان يوماً حافلاً بالمواجهات العنيفة على كل الجبهات، وخاصة حارة الدمج والمنطقة الغربية من المخيم. ففي حارة الدمج، والتي تعتبر من أضيق الحارات من حيث أزقتها وتقارب المنازل بعضها للبعض الآخر، كان لأهلها الدور الكبير في مساندة المقاومين في مراقبة تحركات جيش العدو، وإعداد الطعام، والسهر على راحة المقاومين أثناء استراحتهم ساعة أو ساعتين خلال الليل. فقوات العدو، بالمقارنة، تقوم باستبدال قواتها باستمرار لإراحتهم، بينما المقاومون لا يستطيعون ذلك، إذ هم في حركة مستمرة على مدار الساعة، ولا يتلقون إلا القليل من الطعام الذي يعينهم على الاستمرار في حركتهم، مع أن الكثير من المقاومين كانوا يصومون باستمرار، وكانوا يحضرون ما توفر من المواد التموينية لوجبة الإفطار (مع أذان المغرب). وأحياناً، كان المقاومون أثناء الاشتباكات يتناولون الماء لكسر صيامهم مع أذان المغرب، الذي كان يُرفع من قبل المقاومين أنفسهم بعد تم قطع الكهرباء عن المدينة والمخيم، وتعطلت سمعات الجوامع! وقد شارك أبناء حارة الدمج في الاشتباكات، والمواجهات، وإلقاء الأكواع المتفجرة، وتوفير مولد كهرباء لشحن بطاريات النقال (الجوال وغيره) على يدي المواطن خالد الدمج. وقد تم قصف غرفة مولد الكهرباء بصاروخ أصابه إصابة مباشرة!
وقد حاول جيش الاحتلال أكثر من مرة التقدم في هذه الحارة بعد تمهيدها بصواريخ المروحيات ورشاشاته الثقيلة من عيار (800ـ500)، وتقدم الدبابات، وإلقاء قنابل الصوت والدخان... إلا إن كل محاولاتهم باءت بالفشل، حيث وجدوا مقاومة شرسة جداً من المقاومين، وعلى رأسهم الحاج عماد القاسم وثابت المرداوي وأبو موسى الحلاجي وطه زبيدي ومحمود طوالبة ويحيى زبيدي، وقد خسر العدو في هذه المواجهة ثلاثة جنود وتكبد العديد من الإصابات، بناءً على رواية المقاومين، فانسحبت القوات الإسرائيلية من هناك، ثم عادت بعد أن لملمت جراحها مدحورة، ولكن هذه المرة استأنفت هجومها بالجرافات الضخمة المصفحةD9N وجرافات D9L، وبدأت بهدم البيوت بشكل ممنهج في هذا اليوم، لا في اليوم التاسع كما تقول بعض المصادر، وقد استمر ذلك حتى لم يتبق بيت واحد في الحارة، وأصبح المقاومون والجرافات وجها لوجه، وبخاصة عندما تجمع المقاومون في بيت جليِّل الدمج الذي كان يحتوي على مخبز يقوم على خدمة المقاومين دون مقابل. وفي اليوم التالي، أصر أصحاب البيت على عدم خروج المقاومين إلا بعد تذوق طعامهم، لا خبزهم وحسب، وهو ساخن وخارج من الفرن للتو! وفي نهاية اليوم، اضطر المقاومون إلى الانسحاب إلى حارة الحواشين ومنزل الحاج عماد بعد قدوم الإمدادات من المقاومين في مجموعات أخرى، وتوفير الغطاء لهم للانسحاب، حيث كانت قوات الاحتلال تتمركز في مسجد الأنصار.
وفي الوقت ذاته، كانت معارك ضارية تدور غربي المخيم مع مجموعة من قوات الأمن الوطني عرف منهم: أبو جندل، أحمد طزازعة، وعمر عطياني، وطارق دراوشة؛ ومجموعة من المقاومين، منهم: محمد بدوي، يوسف مشارقة (العجل)، شادي النوباني، مصطفى الشلبي، نضال السويطي، أمجد الفايد، ومحمد مشارقة. وقد كانت هذه المعارك قريبة من بيت أبو إبراهيم الشلبي (الجار) والشافع السعدي، حيث تواجد مقاومون في منزل أحد السكان من ثلاث طوابق. وقد تم قنص طارق دراوشة (من وادي الفارعة) في رأسه برصاصة من عيار ثقيل، فسقط شهيداً، حيث رأى الشباب مخه ينتشر على الأرض. ثم تم سحب الشهيد والانسحاب من البيت. وبوشر بعمل كمين حول البيت، فتقدم الجيش ودخل إلى البيت من خلال إحداث ثغرات في الجدار باستخدام المطارق الكبيرة، فبدأ المقاومون بإطلاق النار وإلقاء الأكواع المتفجرة في اتجاههم، حيث صرخ أبو جندل وأقسم بأنه سينتقم لطارق دراوشة، الذي كان يكن له محبة خاصة لأن طارق من الشباب الذين كانوا ينشدون الشهادة، حيث قدم أصلاً إلى مخيم جنين حتى ينفذ عملية استشهادية. وفي هذه الكمين اعترف العدو بمقتل ثلاثة جنود، وإصابة آخرين بجراح خطيرة.
وفي هذه الجهة، أيضاً، كان المقاومون متمترسين خلف أكياس الرمل يرصدون ويترقبون الجنود لحظة بلحظة. ومن الجدير ذكره أن عناصر القوة التنفيذية في الأمن الوطني كانوا ملتزمين بمواقعهم التزاماً حديدياً. ويذكر أحد المقاومين، وهو عمر عطياني، من الأمن الوطني، قال إن قوة إسرائيلية كانت متواجدة على رأس الزقاق حيث نصب الكمين المحكم حول المنزل، وطلب منها قائدها الالتفاف على المقاومين، إلا أنهم بدأوا بالصراخ والبكاء ورفضوا تنفيذ الأوامر والالتفاف على المقاومين. ومن الجدير ذكره وجود مجموعة من المقاومين الذين يتقنون اللغة العبرية، مثل إياد السلفيتي وعطا أبو ارميلة، وكانوا موزعين على المحاور والحارات لالتقاط ما يمكن من معلومات من خلال السماع المباشر لمخاطبات قوات الاحتلال واتصالاتها. وبعد عملية إطلاق النار، تم انسحاب المقاومين من منطقة الكمين لأن القوات الإسرائيلية استعانت بالمروحيات، وبدأت بقصف المنطقة بشكل واسع ومكثف حتى أنها أحرقت معظم منازل تلك المنطقة.
وفي حارة أبو سباع وشارع المستشفى كانت القوات المعادية تحاول التقدم بكل قوة، ولكن تم صدهم من قبل المقاومين الذين كانوا متمركزين في منازل مقابلة، وتم قنص العديد من جنودهم وقتل جندي وإصابة آخرين في منزل أبو عادل الجبارين. وقد قامت آليات الاحتلال بهدم الجدار القريب من بيت الديراوي وكشف المنطقة لمدافع دباباتهم ورشاشاتهم، إلا أن المقاومين سطروا موقفاً رائعاً في الثبات والصمود حتى الأيام الأخيرة من المعركة بمواجهة كثافة تلك النيران والرد عليها. وأما في جورة الذهب، فقد كانت القوات الإسرائيلية تواصل تقدمها ببطء، تدخل المنازل، وتهدم الجدران، وتفتح ثغرات، وتضع أكياس الرمل، وتركِّز القناصة، وتدفع بالكلاب التي أثبتت الكاميرات على رؤوسها لكشف وجود المقاومين دون دفع خسائر "بشرية"!
وهكذا، فقد كان المشهد البانورامي العام للمخيم لمن يريد أن يتصور ذلك من الجو، هكذا: مروحيات تقصف على مدار الساعة على كل سنتمتر في المخيم؛ دبابات تطلق قذائف ثقيلة تقصف من حرش السعادة ومنطقة صباح الخير؛ حرائق في كل مكان دخان من قوات الاحتلال الإسرائيلية؛ ودخان من إطارات السيارات من المقاومة لإخفاء الرؤيا؛ دمار وجثث شهداء وأشلاؤهم في كل مكان؛ انقطاع تام للكهرباء يسبب ظلاماً دامساً؛ والمقاومون يتابعون الأخبار على أجهزة راديو صغيرة يتحلَّقون حولها ويستمعون للأخبار بالعربية ولغة العدو العبرية.
وأثناء انسحاب المقاومين من المنطقة الغربية باتجاه حارة الطوباسي، بالقرب من غرفة العمليات الرئيسية، استقر المقاومون في بيت خالد السعدي، وفي هذه الأثناء، كنت على اتصال مباشر مع نضال سويطات، وقام بإعطائنا معلومات حول تقدم جيش العدو نحو منزله بالقرب من حارة السمران وجورة الذهب، من خلال تواصله مع أهله. وفي آخر اتصال معه أخبرني أن جيش الاحتلال متواجد في بيته مع كلابه، ويهددون أهله، ويخبرونهم بأنهم سيهدمون منزلهم لأن أخاه يوسف سويطات نفذ عملية استشهادية في الخضيرة. وبعدها، انقطع الاتصال مع نضال ولم يعرف السبب إلا بعد عشرة دقائق حيث دمر صاروخ البيت الذي دخله، وهو بيت خالد السعدي، تبين أنه يحمل قنبلة فراغية أدت إلى استشهادهم، فيما أصيب نضال إصابة مباشرة بصاروخ. وقد كان في مجموعة نضال أربعة مقاومين، وهم: مصطفى الشلبي (الملقب بـ اشنوير، والذي ألح في طلب قطعة سلاح حدَّ أنه حمَّل قادة المقاومة "خطيَّة عدم إعطائه قطعة السلاح إلى يوم الدين!"، وكان جالساً على كرسي، ومحمد حامد، وفادي أبو عره (وهو من الأمن الوطني)، وطارق دراوشة (من الأمن الوطني كذلك) وقد استشهد في موقعة سابقة في المنطقة الغربية. هذا، ويقول أحد المقاومين إنه شاهد الجيش فيما بعد يدخل المنزل وفتشوه واخذوا بندقية وتركوا الجثث حتى انتهاء المعركة.
ويذكر في أحداث ذات علاقة أنه في هذا اليوم سقط سبعة عشر شهيداً في حي القصبة في نابلس بعد مواجهات دامية. وقد كانت المفاجئة باستشهاد "المطارد" القسامي قيس عدوان الذي كان مقيماً في مخيم جنين، ولكن كتائب القسام ارتأت إخراجه من المخيم، وكنا نعلم كم كان يريد البقاء والاستشهاد في المخيم، لكن لاحقاً علمنا باغتياله في بلدة طوباس هو وخمسة من مرافقيه. وقد كان عدوان، المتحدِّر من بلدة سيريس ويسكن في مدينة جنين، مطارداً من قبل قوات الاحتلال إذ تتهمه بالضلوع في العديد من العمليات الاستشهادية داخل فلسطين المحتلة العام 1948.
يتبع...
رابط اليوم الاول
http://fatehwatan.ps/page-77883-ar.html
رابط اليوم الثاني
http://fatehwatan.ps/page-78006-ar.html
رابط اليوم الثالث
http://fatehwatan.ps/page-78115-ar.html
رابط اليوم الرابع
http://fatehwatan.ps/page-78194.html
رابط اليوم الخامس
http://fatehwatan.ps/page-78231.html