الان.. والان بالتحديد: فتح على موعد- عوني المشني
فتح هي التنظيم الذي نحتاجه في الازمات ، ربما في اوقات الراحة لا نحتاجه ، وربما يكون عبئا ثقيلا في اوقات تقسيم الغنائم ، ويكون مزعجا جدا في اوقات المفاوضات ، ويكون بطيئ الحركة في مراحل البناء الاقتصادي وغير مجدي الاستثمار فيه ، ولكن فتح في الازمات الوطنية الاستراتيجية والتي تحتاج الى جهد وتضحيات وصناعة حدث ذو اهمية فان فتح هي العنوان.
احتجنا فتح في معركة الكرامة في وقت كانت المواجهة مستحيله والصمود مغامرة والقتال انتحار ، واجهت فتح وصمدت وقاتلت وانتصرت . احتجنا فتح في مواجهة الهجوم الاسرائيلي على بيروت وكانت مرحلة " يا وحدنا " صمدت فتح وقاتلت وصنعت اسطورة قتال وصمود على مدار تسعون يوما ويزيد
عندما تمت تهميش منظمة التحرير عام 1986 واستخف الكون بالفلسطينيين صعدت فتح من " حيث لا يحتسبون " وفجرت انتفاضة عملاقة اعادت الشعب الفلسطيني ليتصدر المشهد من جديد ويفرض اجندته السياسية بقوة.
والان ، الان على وجه الدقة والتحديد هناك حاجة ماسة لفتح ، هناك حاجة ماسة لنقلة نوعية لا يستطيع احد ان يجترحها سوى فتح ، ولا يمتلك احد المقدرة على عبور الجسر من حالة التيه الى اليقين سوى فتح ، ولا يتمكن احد من دق الابواب الموصدة وفتحها سوى فتح ، ولا يمكن لاحد ان يغامر بثقة سوى فتح ، ولا يمتلك احد القدرة على التضحية في مثل هذا الوضع سوى فتح.
فتح تنظيم متشرذم ، هذا صحيح ، يبدو انه متهالك ضعيف ، تنحره الخلافات احيانا ، بعض قياداته " حردان وزعلان " والبعض الاخر " مبعد ومستبعد " وبعضهم يبحث عن ذاته اولا واخيرا ، واخرين فقدو الامل في فتح ، فتح تم تدجينها ، وتفريغها ، واعادة تشكيلها في سياق مرحلة الانهيار ، وهي مخترقة الى حد كبير ، تم تصنيع قيادات لها ، وتم تشكيل عقيدة لها غير عقيدتها ، وتم تصفية بنيتها الخارجية الى حد كبير ، وتم العبث بتاريخها
فتح تختلف على كل شيئ ، تتقاتل على كل شيئ ، ليس لها استراتيجية واضحة ، ولا مسار محدد ، ولا وحدة مرجعية ، ولا افق ، فتح حالة صعبة
ولكن حذار ، هذه ليست الصورة ، وليست الحقيقة ، حذار من اخذ الاستخلاصات والاستنتاجات من هذا التوصيف ، انه توصيف مضلل الى حد كبير ، خادع الى حد كبير ، ساذج الى حد كبير ، سطحي الى حد كبير.
فتح هكذا كانت قبل الكرامة ، وهكذا كانت قبل اجتياح لبنام عام 1982 وهكذا كانت قبل الانتفاضة ، فتح شيئ لا يفهم من خلال استعراض منهجي للصورة العامة ، ولا تحسب بالرياضيات والارقام ، لفتح معايير خاصة بها ، لفتح لغة وشفيرة خاصة بها ، لفتح مواسم خاصة بها ، لفتح عوامل استنهاض وعوامل احباط خاصة بها ، لفتح طريقة خاصة بها لقراءة الحدث والمشاركة فيه او تصدره او النئي بالنفس عنه ، لفتح عالم خاص بها.
فتح تستجيب للتحدي الوطني ، بطريقة مختلفة ، تنسى مشكلاتها وخلافاتها وتناقضاتها ، وعوامل احباطها ، تنسى المغانم والاستحقاقات والامتيازات ، تنسى التعب والوهن والضعف ، التحدي الوطني يحقنها بالادرينالين ، فتصبح طاقتها الف الف ضعف ، وجرأتها الف الف ضعف ، وصمودها الف الف ضعف ، وصلابتها الف الف ضعف ، واستعدادها للتضحية الف الف ضعف ، فتح هنا قبيلة موغلة في القدم في العصبية في التوحد والوحدة ، تقاتل بحس القبيلة ، تصمد دفاعا عن القبيلة ، تضحي لصون شرف القبيلة ، تموت ذودا عن حوض القبيلة.
فتح امام التحدي الوطني تكون شيئا مختلفا عن الصورة الظاهرة ، فتح هنا هي الابداع النضالي بكل معانيه ، هي الصلابة والصمود والتضحية ، هي الايثار والعطاء اللامحدود ، هي الالتزام الحديدي والانضباط الحديدي والاحترام الحديدي ، فتح هنا هي التي تتقدم ولا احد يتقدم عليها ، تفعل ولا احد يفعل فعلها ، تضحي ولا احد يرتقي لتضحياتها ، تتعملق ولا كائن يصل لمستواها ، فتح هنا كلبؤة تدافع عن شبلها ، جارحة بما يكفي ويزيد ، مجنونة بما يكفي ويزيد . مرعبة بما يكفي ويزيد ، وملتزمة بفلسطين بما يكفي ويزيد.
، فتح هنا وطن في حركة كفاحية ، حركة كفاحية في وطن ، وطن وحركة كفاحية في حالة تماهي كامل الى درجة فقدان الفروق بينهما .
فتح ايضا ليست قبيلة تقاتل ، وانما قبيلة تعرف متى واين وكيف تقاتل . لا تفقدها الحمية عقلها ، ولا تلهب مشاعرها العواطف لتنسى حدود اللعب والملعب ، عينها يقظة ، يقظة دائما ، تنام بعين واحدة كالذئب ، وفتح تنحني امام اي نسمة ريح ولكن لا تقتلعهارالعواصف ، صبورة ومتأنية وهادئة ولكنها واثقة وصلبة وتسارع البرق .
الان والان شعبنا امام التحدي ، قضيتنا امام التحدي ، اعتقد البعض ان فتح اصبحت تحت السيطرة وفقدت بريقها وتوهجها ويقظتها وشعور القبيلة بين ابناءها ، اعتقد البعض انها ابتعدت عن قيمها ومنظومة اخلاقها ، وانها ضاعت واضاعت نفسها بين الامتيازات والشجارات والثارات والغضب والحرد والاقصاء والابعاد والتامر والضغينة.
هي فتح ، تأتي من حيث لا يتوقع هذا البعض الساذج ، تأتي دون مقدمات ، تاتي دون استئذان ، تأتي وبقوة لا توصف ، وتصميم لا يوصف ، وبارادة لا توصف ، وبثقة لا توصف ، وبكل ما في الكون من استعداد للتضحية .
فتح تأتي دون قرار من احد ، مجرد ان تستشعر الخطر تاتي ، مجرد ان تحس بالمؤامرة تاتي ، مجرد ان يتطلب الموقف تاتي ، مجرد ان يعز الرجال وتعز المواقف ويعز العطاء تاتي.
ليست بعيدة لتتاخر ، هي حاضرة متى حضر الواجب وحضر التحدي ، ليست متناسية لتنسى فهي ذاكرة شعبنا الجمعية وهي مستودع ذكرياتنا وهي احلامنا المؤجلة وهي مستقبلنا الواعد ، فتح لا تجبن ولا تتراجع ولا تنسى واجباتها ، حان موعدها وحان موعد حضورها . الان والان بالتحديد فتح على موعد ، من يعش يرى.