ترقوميا الفصح" و"خليل العرش"!- د. احمد جميل عزم
أدى إطلاق النار أول من أمس الاثنين على حاجز ترقوميا قرب مدينة الخليل الفلسطينية إلى مقتل مستوطن صهيوني وجرح آخرين. وبينما رحبت فصائل فلسطينية مختلفة بالعملية، لم يتبنها أحد. جاءت العملية غير مخططة فلسطينيّاً على الأرجح، ولكنها تضاف لعمليات لم يتوقعها الإسرائيليون ولم يكتشفوا من خلفها.
كان الشخص الذي نفذ العملية، مستعدا جيداً وعمِل دون تعجّل، فقد كان يرتدي خوذة، وربما زيّا محددا، وأطلق النار على سيارات عدة، وهرب من المكان دون أن يصاب أو يلقى القبض عليه، رغم أنّ العملية ليست بعيدة عن موقع للجنود الإسرائيليين.
رغم كل عمليات القتل الإسرائيلي مؤخرا، ورغم تصاعد الاستيطان، وتعطل المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، ورغم قيام وزير الدفاع الإسرائيلي في اليوم السابق للحادثة بتمكين مستوطنين من السيطرة على بيت فلسطيني في قلب الخليل، رغم كل هذا لم يكن هناك تقدير استخباراتي إسرائيلي أنّ هناك عمليات متوقعة عشية أسبوع الأعياد اليهودية الراهن، بما يرافقه من عملية إغلاق للأراضي المحتلة عام 1967 وزيادة تعقيد حركة الفلسطينيين.
لقد شهدت الخليل في أيلول (سبتمبر) الفائت وبالتزامن أيضاً مع عيد يهودي آخر، هو عيد العرش، عملية إطلاق نار قتلت جنديّاً إسرائيليّاً، ولم يُعلن عن اكتشاف المنفذ، حتى أنّه سرت فرضيّات أنّ القتل ربما حدث بالخطأ من قبل الجنود الإسرائيليين أنفسهم. ويومها أيضاً كان أهالي الخليل يعيشون توتراً سبّبه المستوطنون وأنشطتهم. يومها نفت مصادر الجيش الإسرائيلي الربط بين الاستياء الشعبي في الخليل والمظاهرات التي كانت تشهدها المدينة وعملية القتل، التي قيل أيضاً حينها إنّ قناصا ربما كان خلفها. وحينها وقعت حادثة قنص أخرى ضد مُستوطِنة في مستوطنة "بساغوت" شمال رام الله.
يومها (بعد حادثة (عملية) عيد العرش)، طالب رئيس حزب "البيت اليهودي" وزير الاقتصاد الإسرائيلي نفتالي بينيت، رئيس حكومته بنيامين نتنياهو، التوقف عن إطلاق أسرى فلسطينيين، واليوم قالت العضو في الحزب نفسه، وعضو الكنيسيت، اوريت سترك، إنّه لا شك عندها أنّ إطلاق سراح أسرى من أسباب هذه العملية!.
المرجّح أنّ عملية الخليل لا تعبّر عن قرار سياسي أو مركزي، لأي فصيل بتصعيد له رسالة سياسية، وبالتالي نحن أمام مبادرة مَحليّة. فمن جهة لا يبدو أنّ هناك أي فصيل لديه أي توجه لسياسة أو استراتيجية من أي نوع في هذه المرحلة، ومن يقوم بعملية، سواءً كان منتميا لفصيل أم لا، يتحرك غالبا بقرار ذاتي، ولا يوجد رسالة سياسية محددة يريدها، بقدر ما يريد ممارسة المقاومة. وربما غياب مثل هذا القرار أو التوجّه، هو السبب الرئيسي في حالة التراخي الإسرائيلية، والشعور المتكرر بعدم وجود تهديد، واستمرار التوظيف السياسي للعمليات في الجدل الإسرائيلي الداخلي.
لكن لحالة التراخي الإسرائيلية بُعد رغائبي أيضا، قوامه الرغبة في نفي وجود نتائج للسياسات الاستيطانية، والانتهاكات على الأرض، إذ إنّ الشعور بالتهديد ربما كان سيثير أسئلة عن السماح لمستوطنين بالسيطرة على مبنى عائلة الرجبي في الخليل الأحد الفائت تحديداً، وبعد أيام من إطلاق نار قرب مخيم الجلزون، على بناية في مستوطنة آرئيل قرب مخيم الجلزون، قرب رام الله.
ربما تكون عملية ترقوميا بالفعل نتاج مبادرة محليّة وربما فردية، في الخليل، تتزامن مع أعياد إسرائيلية، وفيها قواسم مشتركة مع عملية أيلول الفائت في المدينة، سواء من حيث التزامن مع عيد، أو تصعيد استيطاني، واستخدامها إطلاق نار من بندقية. على أن حالة الإنكار الإسرائيلي للواقع الموضوعي الذي يفرز هذه العمليات، بما في ذلك واقع الفراغ في العمل الفلسطيني المنظّم وتحديداً الفصائلي، وحالة الاستبعاد الإسرائيلي الجلي لإمكانية تحول المبادرات المحلية والفردية إلى عمل منظّم بقدر أو آخر، يمكن أن تكون خطأ ترتكبه القوات الإسرائيلية، وتقع فيه القوى السياسية الفلسطينية.
إنّ عملية واحدة من هذا النوع تخلط أوراق الحياة اليومية الفلسطينية، في محيط واسع، فعمليّات الملاحقة وإغلاق القرى والمدن، والاعتقالات التي تلي مثل هذه العملية، هي بحد ذاتها من نتائج العمليات، وتتحول بدورها إلى حالة موضوعية تؤدي إلى المزيد من التوتر، وتنذر بالجديد وغير المتوقع.