التجنيد المرفوض - عمر حلمي الغول
إستمرارا لسياسة "فرق تسد" الاسرائيلية، الساعية لتمزيق النسيج الوطني والاجتماعي والثقافي، لطمس الهوية الفلسطينية الجامعة في داخل الداخل، قامت حكومة إسرائيل بارسال طلبات التحاق بالجيش الاسرائيلي للشباب الفلسطيني من اتباع الديانة المسيحية، إستمراءا لنهجها وتوجهاتها وتشريعاتها التفتيتية لابناء الشعب الفلسطيني، التي إدعت ان المسيحيين ليسوا عربا، كما فعلت منذ قيامها على نكبة الشعب الفلسطيني في فصل الفلسطينيين العرب الدروز والبدو عن باقي ابناء شعبهم، إلآ ان الخطوة الاسرائيلية الاخيرة ووجهت بالرفض، والتصدي الحازم والواسع من قطاعات الشعب وقواه الحية في الجليل والمثلث والنقب.
قلة مأجورة من اتباع الديانة المسيحية، التي رهنت نفسها لصالح مخطط دولة التطهير العرقي، عملت منذ فترة لا بأس بها لتمريره في اوساط الشباب الفلسطيني من خلال الضرب على وتر التقسيم الطائفي والديني، لكنها فشلت، وفضح امرها في الشارع الفلسطيني، حيث تم التصدي لها في المنابر المختلفة من خلال لجنة المتابعة العربية والقوى السياسية الوطنية والديمقراطية، وتم تقزيم عملية التفتيت والشرذمة إلى الحد الاقصى، لاسيما وانها لم تنته تماما، ورؤوس الفتنة مازالت تعبث فسادا في الشارع الفلسطيني.
اللاعبون على وتر التشرذم الطائفي والديني، ليسوا من اتباع المسيحي فقط، بل ان هناك جماعات إسلامية ساهمت ايضا من مواقعها التخريبية باللعب على وتر تعميق التقسيم، ولعل ما شهدته حملات الانتخابات للمجالس المحلية والبلدية عكس تلك السياسات والتوجهات الموجهة من قبل اجهزة الامن الاسرائيلية، التي لم تتوانى عن إنتاج سمومها وشرورها التخريبية لتعميق الهوة بين ابناء الشعب العربي الفلسطيني.
قادة إسرائيل مذ قامت دولتهم على انقاض نكبة الشعب الفلسطيني في العام 1948، وهم يعملون بحمية على تمزيق وحدة النسيج الوطني الفلسطيني، لانهم يدركون جيدا، ان بقاء دولتهم، القائمة على فصول الرواية الصهيونية الكاذبة والمزيفة مرهون بمدى تمزيق وحدة الشعب الفلسطيني، والعمل على نفيه ونفي روايته من الواقع. ولا يتم ذلك إلآ بتوسيع عملية التشرذم لصفوفه على اساس ديني ومذهبي وطائفي وإثني إن وجد ولو من خلال إختلاق إثنيات ليس لها وجود في الواقع الفلسطيني كما فعلت مع الدروز.
الفلسطينيون اتباع الديانة المسيحية، ليسوا اقل فلسطينية من اتباع الديانة الاسلامية، لا بل قد يكونوا اكثر تمسكا بهويتهم الوطنية والقومية، وهم الاحرص على الدفاع عنها. وسقوط عدد منهم في شراك اجهزة الامن الاسرائيلية، لا يعني نجاح الخطة الاسرائيلية. انما يؤكد على ان المخطط الاسرائيلي سقط مرة جديدة في شرور اعماله، ولم يتمكن من النجاح، لان الرفض العام لمذبحة التجنيد من قبل الفلسطينيين عموما والمسيحيين خصوصا يعكس بوضوح حجم الفشل والهزيمة للمشروع الاسرائيلي. ويؤكد حقيقة ثابتة عنوانها، ان الفلسطينيين مسيحيين ومسلمين بما في ذلك اتباع الطائفة الدرزية، لن يكونوا في يوم من الايام ضد ابناء شعبهم وامتهم، وبالتالي لن يكونوا من منتسبي المؤسسة الامنية والعسكرية الاسرائيلية. وسقوط بعض الاشخاص هنا وهناك في شباك تلك المؤسسة، ليس امرا مستهجنا ولا مستغربا، لان في كل شعب من شعوب الارض توجد حثالات متهافتة او كما يطلق عليها "البروليتاريا الرثة" ، تلك العناصر المأجورة والرخيصة، التي باعت ذاتها وهويتها في سوق النخاسة النفعية لن تنجح في تعميم فسادها وسقوطها في اوساط الشعب، وسيبقى الرواد الابطال من الوطنيين والديمقراطيين السياج الحامي لوحدة ابناء الشعب، والحصن الحصين للدفاع عن الهوية والشخصية الفلسطينية العربية الجامعة داخل الخط الاخضر وحيثما تواجد ابناء الشعب العربي الفلسطيني.
لذا على قادة إسرائيل الحاليين واللاحقين الغزل بمسلة اخرى مع ابناء الشعب الفلسطيني. وان يتوقفوا عن اللعب بكرة التمزيق لانها كما ارتدت في السابق عليهم، سترتد راهنا ولاحقا عليهم، ومصيرها الفشل والهزيمة.
oalghoul@gmail.com
a.a.alrhman@gmail.com