فتح وحماس: "محمد لا يقتل محمودا"؟- د.احمد جميل عزم
رغم امتياز الإسرائيليين بالقدرة العالية على التخطيط، إلا أنّهم يبالغون في تصورهم وتقديرهم لضعف وعجز الفلسطينيين. وللأسف، فإنّ الفلسطينيين (وتحديداً بعض المستويات السياسية العليا) وقعوا، بشكل أو آخر، في الخطأ نفسه، ولو بشكل جزئي؛ أي في شعورهم بالضعف والعجز. وعلى مدى سنوات، امتزج الشعور بالضعف برغبة عارمة في التخلص من "الآخر" الفلسطيني، وتحديدا رغبة كل من "فتح" و"حماس" في التخلص من بعضهما. أي تَكالبَ شعور بالضعف وعدم إيمان بعض المسؤولين بشعبهم، مع الاقتتال الداخلي.
لم يخطئ الإسرائيليون التقدير مرة واحدة فقط؛ لقد أخطأوا عندما ظنوا أنّ كبار اللاجئين سيموتون وصغارهم سينسون، وعندما ظنوا أنّ إخراج الثورة من لبنان ينهيها، وعندما ظنوا أنّ ياسر عرفات استسلم بالمطلق. والآن -ومن دون التفاؤل بنجاح المصالحة- هناك مؤشرات أنه يمكن للفلسطينيين إثبات خطأ الإسرائيليين، فهل يكتشفونه مجددا؟
عنوان هذا المقال مقتبس من نص افتتاحية لصحيفة "يديعوت أحرنوت" الإسرائيلية، تعليقا على المصالحة بين "فتح" و"حماس". حيث جاء أن الإسرائيليين احتفلوا طويلا بالانقسام. وجاء في الصحيفة: "لقد احتفلنا. فما الذي يهمنا إذا قتل محمدٌ محموداً؟ كلما استمرت البهجة (يقصدون القتال)، فلنستمتع بكل دقيقة". وتقول الصحيفة إن حال الإسرائيليين بموازاة هذا الابتهاج كانت أيضاً التوسع في الاستيطان، وتبني نظرية استغلال كل فرصة لإضافة دونم جديد وعنزة جديدة، معتقدين أنّ السهولة في تحقيق المهمة (خلال السنوات الماضية) هي "لأنّ الله معنا" (أي مع اليهود)".
ضمن الحملة المسعورة التي بدأها الإسرائيليون ضد الاتفاق (الجديد–القديم) بين "حماس" و"فتح" الأسبوع الماضي، قيل إسرائيليا، في الإعلام الأميركي، إنّ الاتفاق خطوة "وقحة" في مواجهة وزير الخارجية الأميركي جون كيري، الذي يقوم بجهود بطولية لإنقاذ عملية السلام. وتبرعت صحف أميركية وإسرائيلية بالحديث عن استياء أميركي. وبالبحث في التصريحات التي قدمتها الصحف دليلا على ما تقوله، وجدتُ أنّ غالبية من تحدث هم باحثون وسياسيون سابقون أميركيون صهاينة.
وواقع الأمر أنّ ردة الفعل الأميركية على خطوة "المصالحة" (إن جاز التعبير) بين "فتح" و"حماس"، أثبتت أنّ الفلسطيني قادر على المبادرة بالفعل، وعلى تشكيل جزء لا يستهان به من ردود الفعل الدولية.
لقد هددت الولايات المتحدة وحذرت، كما أوضحت القيادة الفلسطينية في الإعلام، عندما ذهب الفلسطينيون للأمم المتحدة. ثم سلمت بالأمر الواقع هي والعالم، بل تحوّل بعض "المحذرين" من الخطوة إلى مؤيدين، عندما تقرر التصويت في الأمم المتحدة. والآن، تراوحت ردة فعل الإدارة الأميركية، وتحديداً الرئيس باراك أوباما ووزير خارجيته جون كيري، بين القول إنّ خطوة الوحدة الوطنية "لا تساعد"، وبين الحديث عن "تجميد" مؤقت للعملية التفاوضية. وفي الحالتين، لا يخسر الفلسطينيون شيئا. فمقابل الحديث عن "أضرار" الوحدة من قبل الإسرائيليين والأميركيين، لطالما انتقص هؤلاء من الفلسطينيين ومن أنّه لا يوجد ممثل ورئيس موحد لهم. ومقابل الحديث عن "تجميد"، فإنّ المفاوضات عبثية. وعمليا مع بعض التدقيق، ربما يكون الرئيس الأميركي قد سلّم للفلسطينيين بموقفهم أنّ المفاوضات غير مجدية الآن.
حتى الآن، لا يوجد تهديد أميركي بعقوبات. والأوروبيون، كما أخبرني مسؤول فلسطيني إثر اتصالات مع دبلوماسيين أوروبيين، غير معنيين بأي "عقوبات"، بل يسألون إن كان يمكن للعرب توفير شبكة الأمان التي يجب توفيرها إذا مارس الإسرائيليون والأميركيون ضغوطا.
يمكن للفلسطينيين الآن، إن وجدت الإرادة عند الفصائل، تسريع ترتيب البيت الداخلي. وأن يشنوا حملة دولية جديدة، ربما من ضمنها الذهاب مجددا لمجلس الأمن لطلب العضوية الكاملة، حتى لو لم يكن الفشل أكيداً. هذا فضلا عن تصعيد المقاومة على نحو مدروس، وحشد الدعم العربي.
هذا العام (2014) هو عام التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني، بموجب القرار الذي اتخذته الأمم المتحدة في 26 تشرين الثاني (نوفمبر) 2013. وللأسف، هناك تقصير كبير فلسطينيا في استغلال هذا القرار وتفعيله. وقد حان الوقت لعمل سريع يستفيد من القرار؛ بتسليط الضوء على القضية الفلسطينية، وعلى التعنت الإسرائيلي، وحتى فرض تغيير نظرة العالم لأسس الحل السياسي، وأسس التعاطي مع الإسرائيليين والحصانة المعطاة لهم، كما إعادة الاعتبار لمقاومة مشفوعة بدعم دولي.