«جهاديو» الزمن الأغبر- عدلي صادق
يرصد المراقب ظاهرتين لافتتين، تمثلهما أقوال وأفاعيل بعض من يسمون أنفسهم سلفيين جهاديين. واحدة تتعلق بالوفاق الوطني الفلسطيني، والأخرى تتمحك بحق الشعب السوري في الحرية والعدالة. الأولى تتمنى من خلال التأثيم المتلطي بشرع الله، افساد كل شيء ذي قيمة وطنية رفيعة في حياتنا الفلسطينية وفي حياة شعوب الأمة، والثانية تتطفل على أمنيات الشعب السوري وتسعى لافساد ثورته بمعناها وحيثياتها الاجتماعية والسياسية. والظاهرتان الاثنتان لهما رائحة جوسسة ظاهرة، تحركها شياطين شيوخ مشبوهين، لا يعرف أتباعهم المُضللون ماذا يفعلون في الغرف المغلقة!
نأخذ الظاهرة الثانية، لأن قارئي ربما يتعجل التفسير الجَوسسي للاثنتين. ففي المناطق المتاخمة لجبهة الجولان السورية، يترعرع «جهاديو» الزمن الأغبر، بطريقة أعتى من تلك التي ترعرع فيها انطوان لحد. فالنقيب شريف صفوري قائد ما يُسمى «لواء الحرمين الشريفين» الذي وصفه المعارضون السوريون انفسهم (وليس الموالين) بأنه نقطة ارتكاز الاستخبارات الاسرائيلية في المنطقة. فهو «لواء» يعربد على امتداد خط صاعد من قرية «صيدا» السورية المشرفة على وادي اليرموك جنوباً، حتى قرية «غدير البستان» مروراً بـ «الرفيد» وصولا الى مجدل شمس شمالا، في منطقة الحدود، ويتخذ من قرية «سحم» المجاورة لخط الهدنة مقراً لقيادته. وبالطبع ان المحتلين الاسرائيليين لا ينامون ولا يتركون شاردة أو واردة، دون الدخول فيها لكي يكون لهم في كل عرس قُرص ودسيسة. الثابت حتى الآن، قبل أن تنفضح كل الحيثيات، أن «لواء الحرمين الشريفين» يستخدم شبكة الاتصالات الاسرائيلية في المنطقة، ومعدات الاتصال التي قدمتها الدولة العبرية، لتسهيل التعاون مع قيادة اللواء، لكي يعجز الجيش السوري عن رصدها. وبهذا الزخم العسكري الذي وفره «جهاديون» من عشرين جنسية، لا علاقة لهم بأمنيات الشعب السوري؛ هاجم هؤلاء القطعات السورية المرابطة على الجبهة، وهذه في العادة تتشكل من عموم أبناء الشعب السوري وليس من مهامها الدفاع عن عصب النظام. قتلوا الكثير من جنود اللواء 61 ومعظم جنود الكتيبة 74 بينما المحتلون الاسرائيليون يتفرجون، وكان التكفيريون مستندين الى خطوط امداد تنطلق من وادي اليرموك مع الأردن، تحت حماية خط الفصل مع الجيش الاسرائيلي، ويستفيدون من المساعدات اللوجستية والطبية التي تقدمها نقاط الملاحظة ومراكز الاستشفاء الاسرائيلية على الخط. ويقول مصدر من هؤلاء في المنطقة «ان التعامل مع اسرائيل أصبح أمراً واقعاً، تقبل به جميع الكتائب، من دون تردد، خصوصاً بعد تشدد الأردنيين في اقفال حدودهم أمام الجرحى القادمين من جبهة الجولان» أي انهم يعترفون ويذرعون، وصار للاستشفاء عندهم أهمية أولى يجوز من أجله الالتقاء مع عدو الأمة، وليس «الاستشهاد» الذي يتمنونه في خطابهم التدميري. وقد بلغ عدد الجرحى الذين نقلوا الى اسرائيل حتى الآن 1600، حسب المصدر نفسه.
المعارض كمال اللبواني، الشيخ والطبيب النصاب، مؤلف الكتب المعنية بالظاهرة الجنسية (ومنها واحد بعنوان: الحب والجنس عند الامبريالية والسلفية) أعلن صراحة عن وجود الكثير من القواسم المشتركة بين «جهاديي» الزمن الأغبر واسرائيل، على النحو الذي يجعلنا نتوقع أن في الأمر نكاحاً. فان كان هؤلاء هم الذين يريدون سوريا «مجاهدة» بهذا المنطق، وان كانت تلك هي المعادلة الوحيدة في المشهد، فلا نتردد في القول: «ما أحلاكَ يا حُكْم». وللأسف ليست تلك، هي المعادلة الوحيدة في المشهد، بخاصة وأن الحُكْم، وفي الأسبوع نفسه الذي استولت فيه قوات الصفوري على الهضاب المقابلة لجبهة الجولان؛ قصف بالبراميل المتفجرة قرية «مزيريب» المجاورة لدرعا، وفيها فلسطينيون كانوا لاجئين في الجولان، ثم نزحوا الى منطقة درعا بعد احتلال 67 فقُتل ستة عشر فلسطينياً من بينهم أطفال قضوا في غرف فصولهم وهم على مقاعد الدراسة!
الظاهرة المخزية الثانية، هي ظاهرة المدعو «أبو بصير الطرطوسي» الذي يرى في فتواه أن «حماس» مصابة بلوثة الزندقة، وخارجة عن الملّة وعن الشرع المُستساغ. وقد أجاب عن سؤال حول حكم الدين في الوحدة الوطنية الفلسطينية، فقال «دعوها فانها نتنة آثمة»، وعن الديموقراطية قال انها أم الآثام، وقال عن كل من يراعي التعددية ويقبل بها، انه مارق تقوم عليه الحجة الشرعية لفداحة مُنزلقِه. أما النظام السياسي الذي يجمع الناس، فانه «يُضفي صفة المشروعية لمخلوق مفتعل، لا يجوز اقراره ولا المشاركة فيه بأية صورة من الصور، لأنه من الشِرك»!
ان هؤلاء المعتوهين، الذين يفسرون آيات الذكر الحكيم، من منظورهم الجاهل ويحللون التعاضد مع اسرائيل حين يكون الغرض غرضهم ويسمونه اضطراراً، ويحرّمون توافق الناس على سبل عيشهم وصحيح سياستهم وقيمة وطنيتهم؛ هم النتاج الطبيعي لقرف الجهل والاستبداد والهزائم والجموح النكاحي وضياع البوصلة!
adlishaban@hotmail.com