حتى لو اعترفنا - غازي السعدي
على الفلسطينيين، وعلى العرب، وعلى المجتمع الدولي، أن يفهموا بأن الأيديولوجية الصهيونية تقوم على إقامة دولة إسرائيل من البحر وحتى النهر، وحل القضية الفلسطينية على حساب الأردن، ويدرك ذلك كل من يتابع خارطة الأحزاب الإسرائيلية وبرامجها السياسية المعلنة، وبخاصة اليمينية والاستيطانية منها، وما يجري تجسيده على الأرض الفلسطينية المحتلة، بعد أن كانت أهدافهم غير معلنة، أصبحوا يقولونها علناً، ومع أن اليهود - في بداية هجرتهم لفلسطين- كان طلبهم ملجأ آمن للحماية من جرائم النازية، أصبحوا اليوم يسيطرون على فلسطين، ويحاولون طرد مواطنيها منها، كما فعلوا في حرب عام 1948، ويلاحظ ذلك كل من يتابع مواقف وتصريحات القيادة الإسرائيلية، وما تتداوله وسائل إعلامهم، وما يصرح به "نتنياهو" ووزراؤه ، بأن أرض فلسطين التاريخية ملك بلا منازع للشعب اليهودي، حتى أن البعض منهم عادوا إلى الشعار البائد أن حدودهم من النيل إلى الفرات، وأن إقامة الدولة الفلسطينية، أو ما يسمى بحل الدولتين غير وارد في حساباتهم، حتى وإن وافق الفلسطينيون على جميع طلباتهم، بالامتناع عن الذهاب إلى الأمم المتحدة، والتخلي عن القدس وحق اللاجئين في العودة، وبقاء المستوطنات، والتخلي عن الانسحاب من حدود 1967، وحتى لو اعترفت حماس بإسرائيل، وبقرارات اللجنة الرباعية الأممية، وبالاتفاقات الموقعة، وحتى لو اعترف الفلسطينيون بيهودية الدولة، فإن كل ذلك لن يؤدي إلى موافقة إسرائيل على إقامة الدولة الفلسطينية، إذ أن مجرد إقامتها يُعتبر بنظرهم تهديداً مستقبلياً على وجود إسرائيل. لقد كان المطلب الإسرائيلي اعتراف الفلسطينيين بقراري (242) و(338) فحصل لهم ذلك، وبقي الوضع على حاله، بطلب المزيد من الاشتراطات، فأحزاب المعارضة الإسرائيلية المعارضة لسياسة حكومة "نتنياهو" تؤمن أيضا بان ارض فلسطين الكاملة ملك للشعب اليهودي، غير أنها تخشى من خطر أن تصبح إسرائيل دولة ثنائية القومية، ويصبح الفلسطينيون يشكلون الأغلبية، ضمن هذا المنطلق، يطالبون بالانفصال عن الفلسطينيين كمصلحة إسرائيلية، للمحافظة على ما يسمى بالطابع اليهودي لإسرائيل، وأن لا يسحب الشرعية عنها، وتصبح دولة "أبرتهايد". لقد كان خطاب الرئيس الفلسطيني "محمود عباس" أمام المجلس المركزي الفلسطيني في رام الله بتاريخ 26-4-2014، من أفضل وأوضح خطاباته، كان خطاباً شاملاً ومؤكداً على الثوابت الفلسطينية، بينما اعتبر "نتنياهو" المصالحة الفلسطينية هي إطلاق "أبو مازن" رصاصة الرحمة على المفاوضات، فلماذا كان التعنت الإسرائيلي قبل المصالحة بالنسبة لحل الدولتين؟ وأن تذرع "نتنياهو" بأنه لن يتفاوض مع حكومة فلسطينية تشارك بها حماس، فهذه ذريعة للتهرب من المفاوضات، إذ أن الحكومة الفلسطينية القادمة لن تكون حكومة فصائل، من جهة أخرى فإن الجهة المخولة والتي تبادلت الاعتراف بينها وبين إسرائيل وتفاوضت معها كانت منظمة التحرير الفلسطينية، صاحبة الولاية على المفاوضات، ولا يطلب من حماس، أو غيرها من الفصائل الاعتراف أو التفاوض مع إسرائيل، كما لم يطلب من الأحزاب الإسرائيلية الاعتراف أو التفاوض مع المنظمة، حتى أن زعيم حزب البيت اليهودي، الوزير "نفتالي بينت"، يدعو صباح مساء، لضم الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية، ويعارض مجرد المفاوضات، ووزير الخارجية "أفيغدور ليبرمان"، يطالب بطرد مواطني مدينة أم الفحم ومدن وقرى وادي عارة البالغ عددهم (300) ألف فلسطيني من حملة الجنسية الإسرائيلية، إلى الضفة الغربية كمرحلة أولى، ويعلن أنه لن يقبل باتفاق سلام مع الفلسطينيين دون ذلك، ومن الجدير بالذكر أن البرنامج السياسي لحزب الليكود الحاكم ينص حرفياً على ضم الضفة الغربية لإسرائيل، فعن أي سلام يتحدثون بعد كشفهم عن مخططاتهم هذه علناً؟ لقد أفشلت المصالحة مخطط إقامة الدولة الفلسطينية في قطاع غزة، مع توسيع مساحته على حساب أراضي سيناء المصرية، وهذا المخطط كان معروفاً، إلا أن الكشف عنه من خلال الرئيس الفلسطيني أمام المجلس المركزي، أعطاه تأكيداً ومصداقية، وإذا كانت حماس إرهابية حسب "نتنياهو" فقد سبق أن تفاوضوا معها من أجل التهدئة، وبمناسبات أخرى، فقد كانوا يتهمون فتح ومنظمة التحرير بالإرهاب أيضاً، لكنهم اعترفوا بالمنظمة ويتفاوضون معها، ويتجاهلون أنهم هم الذين مارسوا الإرهاب منذ سنوات الثلاثينات، من قبل منظماتهم الإرهابية، اتسل، شتيرن، ليحي، وغيرهم، حتى أن "مناحيم بيغن"، و"إسحاق شامير" اللذان قادا هذه المنظمات، أصبحا فيما بعد رؤساء وزارات، مع أن التنظيمات الإرهابية اليهودية تحولت بعد قيام إسرائيل إلى أحزاب، إلا أنها استمرت في قيادة الإرهاب والمجازر الإسرائيلية، وتنظيمات الإرهاب الاستيطانية، التي أطلقت على نفسها اسم "تدفيع الثمن" استمراراً لسابقاتها. الغريب أنه منذ اتفاق أوسلو عام 1993 تطالب اللجنة الرباعية، وحتى الإدارة الأميركية الفلسطينيين باحترام الاتفاقات وقرارات الرباعية، ولا يتجرؤون على اتهام الجهة التي تخرقها وهي إسرائيل، كما أن المفاوضات الأخيرة في أشهرها التسعة-لم تسفر عن شيء- استغلتها إسرائيل بالاستمرار في البناء الاستيطاني، الذي يتعارض حتى مع وثائق خارطة الطريق، و"نتنياهو" يريد استمرار المفاوضات مدى الحياة، فخلال العام الماضي صادرت إسرائيل (28) ألف دونم من أراضي الضفة الغربية، وخلال أشهر المفاوضات التسعة، نشرت عطاءات لبناء (13.850) ألف وحدة استيطانية، وأن البناء الاستيطاني في ذروته، ويتسابقون مع الزمن، حيث يتم بناء(50) وحدة استيطانية يومياً، منها (2500) في القدس، و73% في مستوطنات معزولة، و27% في المستوطنات القريبة من الخط الأخضر، ليأتي "نتنياهو" وبكل وقاحة، ليخير "عباس" بين السلام مع إسرائيل أو المصالحة مع حماس، فهو الذي أطلق رصاصة الرحمة على المفاوضات، التي أرادها مفاوضات من أجل المفاوضات، وليس من أجل الحل. لكن الوقاحة الإسرائيلية ليس لها حدود، فالحكومة الإسرائيلية غاضبة على الولايات المتحدة وتتهمها بأن ردها على المصالحة كان ضعيفاً، فيما ترى الولايات المتحدة والمجموعة الأوروبية، بأن المصالحة تصب في مصلحة السلام، أما أكثر ما أغضب الحكومة الإسرائيلية، ما جاء في جريدة "هآرتس 10-4-2014"، بأن الحقيقة جاءت على لسان "جون كيري" أمام الكونغرس الأميركي، بأن إسرائيل لم تحترم الاتفاق حول إطلاق الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين، إضافة إلى عطاءات جديدة من البناء الاستيطاني، واصفاً ما جاء على لسان مكتب "نتنياهو" بأن فشل المفاوضات بسبب توقيع "عباس" الانضمام إلى (15) ميثاقاً دولياً، بل كان ذلك رداً على الخروقات الإسرائيلية. التصريح الذي أدلى به "أبو مازن" حول وصفه ما حدث لليهود من "الهولوكست" بأنه أبشع جريمة عرفتها البشرية، فإذا كان هدفه توظيفه في العلاقات العامة، فإنه لم يحقق الهدف، وكانت ردود الحكومة الإسرائيلية عليه سلبية، بأنه جاء للتغطية على المصالحة مع حماس، فموضوع المحارق لا يخصنا، لأنه استغل وما زال يستغل لحل المشكلة اليهودية على حساب الشعب الفلسطيني وأراضيهم، بل أن أبشع جريمة في العصر الحديث كانت قلع شعب فلسطين من وطنه، وتشتيته في أنحاء العالم، وهاجمت جريدة "هآرتس 29-4-2014" في افتتاحيتها "نتنياهو" في رده على "عباس" حول "الهولوكست"، وتطالب إسرائيل الاعتراف بنكبة الشعب الفلسطيني. لقد تعرض "جون كيري" إلى ضغوط هائلة في إسرائيل والولايات المتحدة، بعضهم يطالبونه بالاعتذار، والبعض بالاستقالة، لمجرد تحذيره من تحول إسرائيل إلى دولة عنصرية -"ابرتهايد"- إن لم يتحقق حل الدولتين، إذ قال بأن "دولة واحدة ستتحول إلى دولة تمييز عنصري مع مواطنين من الدرجة الثانية وأما دولة تدمر قدرة إسرائيل على أن تكون دولة يهودية"، ويضيف: "هذا ما ندركه بضرورة التوصل إلى حل الدولتين"، فـ "كيري" لم يغير من قناعته هذه، لكن الضجة هذه أدت إلى إصدار بيان جاء فيه: "لو استطعت أن أعيد العجلة إلى الوراء، لاخترت كلمات أخرى"، رغم أن سياسيين وشخصيات إسرائيلية رفيعة سبق أو استخدمت نفس أقوال "كيري". وخلاصة القول، فإن المطلوب من الإعلام والمعارضة الإسرائيلية، كشف الحقائق عن المزاعم الإسرائيلية وإخلال الحكومة الإسرائيلية بالاتفاقات، فالوزير "نفتالي بينت"، الذي يصف فتح وحماس والجهاد الإسلامي، بأخطر محور إرهاب في العالم، فهذه الأقوال تشويه للحقائق، يزعمون بأن "أبو مازن" يتهرب من المفاوضات، وأنه في كل مرة يطرح شروطاً جديدة للتهرب من المفاوضات، لكن ثوابته معروفة لإسرائيل وهو لم يطرح شروطاً جديدة كما تفعل إسرائيل وأشار "أبو مازن" أن الحكومة الفلسطينية القادمة ستعترف بإسرائيل، وتدين الإرهاب والعنف، وملتزمة بجميع الاتفاقات، لكن إسرائيل هي التي لم تلتزم بها وإذا كان أبو مازن يتهرب من المفاوضات التي تؤدي إلى الحل-كما يدعون- فعلى إسرائيل امتحانه بالاستجابة للاستحقاقات والاتفاقات إذ أن الفلسطينيين أكثر الأطراف التواقة إلى السلام، وأن وصف "أبو مازن" بأنه أصبح بروفسوراً في الإرهاب تندرج في حملة تشويه تقودها إسرائيل لصورة الرئيس، وباعتقادي أن إسرائيل في أحسن الأحوال، تريد التوصل إلى إقامة حكم ذاتي للسكان، وليس على الأرض، كما ورد في الشق الفلسطيني في معاهدة كامب ديفيد، بين "الرئيس أنور السادات"، ورئيس الحكومة الإسرائيلية "مناحيم بيغن"، وهذا ما رفضه الفلسطينيون في حينه، أما إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، فهذا غير وارد في القاموس السياسي الإسرائيلي..فالصراع مستمر.