فلسطين إلى الفضاء؟... - صبري صيدم
بعد نشر هذه الكلمات بسويعات سألتقي على الهواء مباشرة رائد الفضاء الكندي مارك كارنو للحديث عن تجربته خارج هذا الكوكب. الظريف أنني وكما جرت العادة نشرت خبر اللقاء هذا على حسابي على شبكات الإعلام الاجتماعي داعياً الأصدقاء وكما تعودت مع لقاء شخصيات مرموقة إلى إرسال أسئلتهم لأطرحها على الزائر الضيف. لكن الأظرف كان مع ما كتبه أحد الأصدقاء معلقاً على المفارقة العجيبة التي قال فيها متسائلاً بأننا لا نستطيع أن نتابع أمورنا على الأرض لكننا نلجأ لمتابعة أمور الفضاء.
موقف ربما يفسره البعض بصفته انعاكساً لثقافة الإحباط أو التحبيط واليأس أو التيئس والأزمة أو التأزيم. لكن أتمنى لو أن بعضنا ينظر حوله ليرى ما يقدمه شبابنا كل يوم من إبداعات ملحوظة.
عينة من أبناء هذا الوطن احتشدوا في أريحا قبل أيام بمناسبة مهرجانها الربيعي ليقدموا اختراعاتهم وابتكاراتهم النوعية في مجال تطبيقات الهاتف المحمول. عينة من غزة قدمت لوحات فنية في معرض نوعيٍ حمل اسم بقايا السبت الماضي تبعتها مجموعة أخرى من الأطفال الذين قدموا مساهماتهم المبدعة في معرض للريادة العلمية الشبابية ففاز منهم عشرة مشاريع من أصل 230 مشروعاً ليستحق الخمسة الأوائل شرف الالتحاق بوكالة الفضاء الأميركية ناسا. يأتي هذا كله بعد مسابقة الروبوت السنوية ومؤتمر الإبداع السنوي واحتفالية الإبداع التي تديرها مؤسسة فلسطين من أجل عهد جديد وجائزة فلسطين للإبداع والتمّيز والقائمة تطول.
اليوم وربما على مدار الساعة هناك من الشباب الفلسطيني من يخطو أولى خطواته الإبداعية على طريق تحويل أفكاره إلى نماذج وتطبيقات فعلية. هناك من يتحدون اليأس ويبادرون للابتكار. يحلمون بالعلم والتعلم والتطور والتغيير.
هؤلاء لا يحق للاحتلال أو غيره أن يحرمهم حقهم في التحليق في ثقافة الإبداع ولا الوصول إلى الفضاء وإن كان الاحتلال لن يتوانى عن قبرهم معنوياً في حياة البؤس والفقر والحرمان.
لكن ما لا يستطيع أحد أن يقبله أو يتخيله هو أن نتبنى نحن ثقافة اليأس بحكم الواقع السياسي وغياب الأفق وحيرة الرأي والرؤية.
نعم ظلم ذوي القربى أشد مضاضة من كل ما تحاول إسرائيل إحباطنا به أو دفعنا معنوياً به إلى الهاوية. علينا أن ننفض عن كاهلنا ثقافة اليأس وأن نفخر بأبنائنا وقدراتهم وما قدموه ويقدموه في كل ساعة وفي كل يوم. هؤلاء هم نفط فلسطين وغازها وثروتها وعزتها وكرامتها وهم الرعيل المؤسس للجيل الرابع للمقاومة المتسلحة بالعلم والمعرفة والإبداع.
نعم إن هزيمة أناس لم يهزمهم اليأس مستحيلة لكن هزيمتهم على يد أهلهم وأبناء جلدتهم قائمة لا محالة إذا ما استمر البعض في عدميته وسلبيته. فهل نكون نحن الرافعة أم معول الهدم؟ وهل يصبح تحليقنا في فضاء المعرفة أمراً نشجعه ونحفزه أم نقابله بسدٍ من الدونية والانتقاص والاستهتار؟ الجواب عندنا وليس عند أحدٍ آخر.
s.saidam@gmail.com