فوضى "التفكير والتكفير"- فتحي البس
قرأت في صحيفة الكترونية تحمل اسم" العربي الجديد"، تملكها مؤسسة اسمها "فضاءات ميديا" مقرها لندن مقالا جيد الصياغة، رصين اللغة، عميق الدلالة بعنوان: "يحيا العسكر يموت الجميع" خلص فيه الى ان "العسكر" يقدمون انفسهم كمنقذين ثم سرعان ما ينقضون على خصومهم ولا يتوقفون عن القتل ليحيوا ويموت الجميع.
اردت التعرف على الصحيفة ومالكيها، فلم أجد غير تعريف موجز يوحي بالسرية، وتساءلت من يملك فضاءات ميديا، أم "العربي الجديد"، فقفز الى ذهني سؤال: من يملك الان "القدس العربي" وصحف وفضائيات اخرى تتبع نفس سياسة التحرير؟، وبما ان الاجابة تظل مبهمة، قفز سؤال توليدي آخر: من خلق "فوضى التفكير والتكفير" التي ادت الى كل القتل الممتد على مساحات واسعة وشاسعة تغطي كوكب الارض وحصدت وتحصد ارواح "العسكر" وغير العسكر بمن فيهم "مؤمنون" صادقون في ولائهم لفوضى "التفكير والتكفير"؟.
السؤال التوليدي يولد فوضى اسئلة تعصف بالذهن والروح من بينها: من طبّل وزمّر "لتحرير" امتنا العربية، وانقضاض اباتشي "الحرية" الاميركية وصواريخها وطائراتها بطيار ودون طيار على المدنيين "المؤمنين وغير المؤمنين"، من سلّح ونظّم "المجاهدين" بالسيوف قطّاعة الرؤوس ووجهها لتعطي "أنبل" مثال عن الجهاد؟ ومن حرّض على ضرورة سماع الرأي الاخر لأعداء الأمة العربية أو انصارها لزعزعة الثقة بكل شئ وبكل زعامة أو قيادة، "وطنية " أو غير "وطنية" بل بزعزعة الايمان بالاوطان، من جعل الانسان يضيع فلم يعد يميز بين الحق والباطل فيصل في ظل فوضى "التفكير والتكفير" الى عدم ثقته بنفسه أولا؟
الأجوبة على فوضى الاسئلة تجيء ايضا فوضوية: إنه المال الذي هو أمضى وأفتك من كل انواع الاسلحة عندما يستخدم لخلق فوضى الروح وتضليلها لكي يكفر المؤمن وتضل البوصلة ويستنجد بالأجنبي وقواعده ولكي يظن البعض ان طريق الجنة أقرب اليه من طرف البصر إن هو تزنّر بحزام ناسف وفجره في سوق ليقتل من يعيشون في "جاهلية" أو من "فسق" ولم يتعلم الصلاة على طريقة "المؤمنين" ومواقيتها الدقيقة، أو قرّر ان يعيش على هذه الارض مقتنصا منها ما يسّر له الله من حياة بسيطة يحترم فيها من يخالفه الرأي او الدين او العقيدة، ويؤمن ان العدو مكانه واضح ومحدد وخطورته وجبروته تطال الجميع.
الأجوبة الفوضية تقول إن "العربي الجديد" لن تسعفه مثل هذه المواقع الاعلامية على أن يكون جديدا، ابنا للحياة والعصر، يعرف بدقة اعداءه ويرتب التناقضات التي تحاصره، فيؤجل قطع رؤوس من يخالفونه الى أن يحسم التناقض الرئيسي، وإلى أن يأتي يوم الحساب الذي قرره الباري سبحانه وتعالى، فيحاسب هو ضمن رحمته وعلوّه وتجليات قدرته، فيرمي الى جهنم من خالف سماحة شريعته او عصى أوامره.
لذلك نحن كبشر لا نريد ان يموت "عسكرنا" ولا مدنيّونا، ولا نريد ان يحكم احد على ان كل "العسكر" قتلة وجبارون وغير وطنيين، ولا أن يقرر أن كل المدنيين حتى أكثرهم تديّنا، صالحون وقادرون ويقودون شعوبنا الى الصلاح والحكم الرشيد، وإن أراد الكاتب أن أعدّد له انقلابيين مدنيين اوصلونا الى حدود الكوارث والموت والجوع والمهانة، اقول له لا تحتاجني، ما عليك إلا ان تلتفت الى حيث المال الفاسد، والرأي الفاسد وتحالفات المصلحة للحفاظ على الذات لتجد الكثيرين.
العربي الجديد يولد ضمن المخاض العسير الذي نمر به في هذا الزمن وليس ضمن فوضى "التفكير والتكفير".
أظن أن فوضى الأسئلة والأجوبة، جعلت كاتب المقال يعمّم المقولة، علماً أن التعميم مقتلة، وأن الاستنباط أو الاستدلال، يكون في علم المنطق وعلم الكلام فاسدا في احايين كثيرة، دون ان اكون في كلامي مدافعا عن فساد أو حكم غير رشيد، من الحكمة ان نحذّر منه، فالسيسي مثلا يتحدث ببساطة الناس ويقول انه مؤمن يسعى الى رفعة مصر وعظمتها، فلماذا لا أصدقه، وأصدق مدنيّا جربناه وغيره، فكانوا طغاة ظالمين؟