«الشهيد خطاب .. عزت ابو الرب»- عيسى عبد الحفيظ
في الرابع والعشرين من شهر أيار عام 1993 المؤرخ في سفر الوطن، غادرنا الشهيد عزت ابو الرب (خطاب).
الشاب الفلسطيني الوسيم المربوع القامة، الأكحل العينين، ابن فلسطين من قباطية مصنع الرجال والمناضلين. أعطى كل شبابه وحياته للقضية الوطنية من خلال عطائه لفتح. ذاق مرارة الغربة والسجن، لكنه لم يفقد ايمانه بحتمية النصر.
خطاب، ابن الثورة، ابن القضية، الفدائي صاحب المواقف المبدئية، النظيف اليد، السامي الأخلاق، المثقف والواعي لكل المدارس الفكرية، أحد كبار المنظرين للثورة ولحركته فتح بشكل مميز. المذيع، الكاتب، الصحفي، السفير، المفوض السياسي العام لقوات العاصفة، عضو المجلس المركزي. عضو المجلس الثوري، وعضو المجلس الوطني: فكر ثاقب، وتحليل علمي، ونظرة متفائلة للمستقبل مهما ادلهمت الخطوب، واشتدت الأنواء، وكثرت المؤامرات، وضاقت السبل، بقي خطاب ابن القضية حتى ترجل عن حصان الثورة في أرض بعيدة عن مسقط الرأس. لكن جوارحه كانت تسكن هناك في الوطن الذي غادره قسرا لينتمي الى حركة فتح مبكرا وتحديدا عام النكسة 1967.
المفوض لجهاز التعبئة والتوجيه السياسي، والمشرف العام على نشر أدب (العاصفة) والمسؤول الاول عن مدرسة الكوادر في بيروت. عندما كان سفيرا لفلسطين في ليبيا، حضر الشهيد الراحل ياسر عرفات في زيارة رسمية. وكان خطاب قد اتفق مع القذافي ان يكون في استقبال ابو عمار في مطار طرابلس وعندما وصل الى المطار فوجئ بأن شخصية اخرى قد حضرت لاستقبال ابو عمار تحت ذريعة ان العقيد القذافي منشغل بقضايا اخرى، فما كان من خطاب والطائرة تحط في المطار الا ان صعد على سلم الطائرة موليا ظهره الى الباب لعدم السماح بفتحه وخروج ابو عمار حتى يحضر القذافي شخصيا ..!
وعندما رد كاتب هذه السطور على خزعبلات القذافي في جريدة جزائرية، تم استدعاء خطاب من طرف قذاف الدم وطلب منه نقل احتجاج (القيادة الليبية) الى ابو عمار الشديد اللهجة طبعا والذي يطلب محاسبة ومعاقبة كاتب المقال الذي تجرأ وتناول شخصية القذافي بالنقد. وكان جواب خطاب الرجولي الفلسطيني الذي لا يهتز ولا يتراجع أمام مثل تلك التهديدات، «العقيد اخطأ في الخطاب وتم الرد عليه من طرف كادر فلسطيني في جريدة عربية وتم الأمر كله خارج الأراضي الليبية والتي لا تقع تحت مسؤوليتي».
رافق خطاب الثورة في حلها وترحالها، من عمان واذاعة زمزم 105، الى دمشق وبيروت ورومانيا وليبيا وتونس. تنقل معها ومع الثوار، ليشحذ الهمم ويصقل المعنويات ويغني مع الثورة والثوار (ريح الشمالي يا نسيم بلادنا).
خطاب ابن قباطية الأبية، العصية على الكسر، هذا الفلسطيني المصلوب تارة على صليب من صنع الاحتلال، وتارة اخرى على صليب من صنع (العروبة) لم ييأس ولم ينل منه الوهن ولا الشك بأن فلسطين قضية العرب الأولى وبدونها لن تقوم للأمة العربية قائمة.
درج كاتب هذه السطور على احياء ذكرى رحيل خطاب عبر أمواج صوت فلسطين وكان الضيوف زوجته السيدة هند وابنه البكر حسام، وكان الضيوف المشاركون عبر الهاتف كثر ويتسابقون للحديث عن خطاب ودوره في الثورة، أمثال الكاتب الصديق عبد الفتاح القلقيلي، والكاتب يحيى يخلف والكاتب الاذاعي خالد مسمار. وها نحن نستذكره عبر صفحات جريدة الحياة الجديدة وفاء منا لكل الشهداء الذين سطروا صفحات مضيئة كما كتب هو في احدى مذكراته الكثيرة «أيام فلسطينية حافلة في الشرق الأقصى» ولم يمهله القدر لرؤية كتابه الجديد فقد رحل قبل صدوره.
ذهب خطاب ولكن ذكراه باقية فينا كابن لفلسطين وللثورة ولحركة فتح التي رسخ كل حياته من أجلها.
ذهب خطاب الكادر والمثقف وابن القضية، المثل الذي يحتذى في سمو الأخلاق ومطابقة القول بالفعل، فلم يكن يؤمن بأكثر النظريات حتى يجري تطبيقها على الارض.
ذكراه عطرة وسمعته لم تشبها شائبة. صديق الجميع، رجل المواقف لا يخشى في الحق لومة لائم.
مثال الفتحاوي النظيف الذي حافظ على سمعته وبقي فوق كل الشبهات والأقاويل التي طالت الكثيرين، لكنها لم تصل برائحتها الى حديقة خطاب الفلسطينية النظيفة المزينة بالزعتر والحنون ورائحة المسك للشهداء.