المضامين السياسية والإنسانية لزيارة البابا - د. علاء ابو عامر
اكتسبت زيارة البابا فرنسيس إلى فلسطين « الأرض المقدسة « معاني خاصة حيث تأتي في ظروف دقيقة إذ حصلت متغيرات كثيرة على مستوى المنطقة، فقد خلق « الربيع العربي «حالة من الخوف والفزع لدى معظم الطوائف الدينية، خاصة المسيحية منها، حيث تم أستهداف الوجود المسيحي العربي في كل من العراق وسوريا من قبل جماعات إسلاموية مشبوهة، وهي مشبوهة التمويل والأهداف والقيم، لقد تم أستهداف المسيحيين بشكل مباشر بهدف تهجيرهم وتفريغ المنطقة منهم، وبالفعل فقد هاجر منهم الكثيرون، وفتحت دول الغرب لهم أبوابها وشجعتهم على ذلك، وهذا يطرح علامات أستفهام عن من المستفيد من تفريغ دولنا العربية من مكوناتها الدينية والثقافية وتنوعاتها المذهبية والطائفية والتي كانت تعيش في تسامح وجوار ووئام على مدى مئات السنين، قبل ظهور الفكر الصهيوني التعصبي العنصري على أرض فلسطين العربية رمز التسامح والمحبة .
من هنا تكتسب الزيارة طابعاً سياسياً ومعنوياً مهماً في الشد من أزر مسيحيي فلسطين والمنطقة العربية عموماً بالتمسك بأوطانهم وعدم هجرتها، وكذلك فقد حملت الزيارة من خلال إصطحاب البابا لشيخ مسلم وحاخام يهودي، ومجموعة البطاركة الذين يمثلون كنائس مختلفة معنا خاصا يدل على إمكانية التعايش بين الأديان في حال ابتعد السياسيون عن تسيس الدين وتوجيهه واستخدامه لأهداف دنيوية .
جميلة هي تلك اللوحة التي وضعت خلف منصة البابا، يظهر فيها عيسى عليه السلام رضيعاً ملفوفاً بالكوفية الفلسطينية، ويقف بين الحاضرين شخص بلباس عربي يلبس كوفية سوداء مع عقال. مع أن اللوحة تعبير وطني فلسطيني رمزي، إلا أنها لا تجافي الحقيقة فقد كان أبن مريم فلسطيني، وتلك هي الحقيقة وليست تكهنات ..
المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام وللناس المسرة
سلام عليه يوم ولد ويوم مات ويوم يبعث حيا
تنقل البابا من فلسطين في حدود العام 67 إلى فلسطين العام 48 التي أصبحت تسمى منذ ذلك العام إسرائيل، وأصر في فلسطين الأولى على إضفاء الطابع السياسي الرسمي لزيارته كون فلسطين اليوم دولة مراقبه غير عضو في الأمم المتحدة يعترف فيها الفاتيكان رسمياً ويقيم معها علاقات دبلوماسية كاملة ..
حمل البابا رسالة سلام لقادة وشعبي الدولتين مناشداً أياهم صنع السلام، من خلال دعوته قادتهما إلى الفاتيكان يوم 6 حزيران ذكرى النكسة الأليمة، ليحلا ضيوفاً عليه، كي يصنعا السلام معاً .
قد تكون هذه لفتة رمزية من دولة لا تملك سوى قوة معنوية ودينية لا أكثر ومع أن ذلك صحيح إلا أن خلف هذه اللفتة ما هو أبعد من ذلك، حيث أن المسيحية الكاثوليكية تأتي في مقدمة الطوائف المسيحية وهم حوالي 1.13 مليار نسمة (17.33% من البشرية، 51.4% من المسيحية)؛ وحسب الدراسة التي أعدّها «مركز (بيو) حول الدين والحياة العامة في الولايات المتحدة فمن ناحية الطوائف يشكل الكاثوليك حوالي نصف مسيحيي العالم.
هؤلاء الذين شاهدوا المسيح الفلسطيني موشحاً بالكوفية ستبقى في ذاكرتهم صور مسيحيي فلسطين وقادتهم وهم يحيون البابا مناشدينه المساهمة في صنع السلام في أرض السلام فلسطين . ستبقى فلسطين حاضرة في كل بيت مسيحي عبر العالم لأن عذاباتها وأناتها وصرخاتها المطالبة بالحرية والسلام وصلت إلى مسامعهم ورأوا بأم أعينهم جدار الفصل العنصري رمز الكراهية والبغض والحقد الذي صلى أمامه البابا في خطوة جريئة معبرة من أجل إزالته لما يمثله من عنصرية ولا إنسانية .
مهما حدث في قادم أيام زيارة البابا للقدس وفلسطين عام 48 فإن ما يمكن تسجيله منذ بدء زيارته لفلسطين، من خلال ركوبه طائرة مروحية للهبوط مباشرة في بيت لحم وزيارته للمدينة ووقوفه وصلاته عند جدار الفصل العنصري، واللوحات الجدارية الفلسطينية المقارنة ما بين المسيح المصلوب وشعبنا المصلوب.. والإصرار الفلسطيني على فلسطينية يسوع، كلها تدل على رسالة شديدة اللهجة للأحتلال وارتقاء في علاقة فلسطين مع العالم المسيحي الذي كان قد أبدى تعاطفاً مع اليهود لحظة قيام إسرائيل، واليوم وبعد أكتشافه لحقيقة إسرائيل الدولة العنصرية والفصل العنصري فإنه يحاول أن يكون أكثر موضوعية مع شعب المسيح الحقيقي .. شعب فلسطين، الأكثر إنسانية وتسامح مع الآخر ..