لا حل ولا تعايش - غازي السعدي
في الوقت الذي يُكيل فيه رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" الاتهامات للفلسطينيين بسبب إحيائهم لذكرى النكبة، فإن استقلال إسرائيل هو سبب هذه النكبة، ففي جلسة الحكومة الأسبوعية "18-5-2014"، اتهم نتنياهو السلطة الفلسطينية، باستمرارها في حملات التحريض ضد إسرائيل، لتشويه صورتها داخل الأسرة الدولية، وأن من يُطلق على ذكرى قيام إسرائيل بالنكبة، فإنه غير معني بالسلام، وكأن "نتنياهو" الذي أحبط جميع مساعي السلام، يريد أن يُنصب نفسه حمامة سلام، وهو الذي يُكثر من التصريحات الساخنة، ويصمت عن أعمال محرفي "دفع الثمن"، وهو لا يبدي اهتماماً بهذا الشأن الخطير الذي أدى إلى تفشي جرائم العنف والكراهية ضد الفلسطينيين، الذي قد يرتد على أبناء جلدته، وكما قالت ابنة رئيس الوزراء الأسبق "اسحاق رابين" الذي اغتيل من قبل المتطرفين اليهود، فإن حملة الكراهية الحالية ضد الفلسطينيين قد تطال اليهود أنفسهم. إن الحكومات الإسرائيلية السابقة واللاحقة، وبخاصة حكومة المستوطنين اليمينية الحالية، تتحمل المسؤولية الكاملة عن حملات التحريض، وزرع العنصرية والكراهية والفاشية ضد الفلسطينيين، من خلال سياساتها وممارساتها العملية، وسياسة التنكيل والقمع والقتل والاعتقالات والاعتداءات على الفلسطينيين وممتلكاتهم، ومن خلال تشريعها عشرات القوانين العنصرية، وتشويه الحقائق، وأن مجموعة "تدفيع الثمن"، ليست فقط دلالة على الممارسات والتدهور الأخلاقي، بل هي جزء لا يتجزأ، من سياسات إسرائيل في تضييق الخناق على الفلسطينيين، سعياً للاستيلاء على ما تبقى من أراضيهم، وحملهم على الهجرة، فإن الحكومات الإسرائيلية في محاولاتها التنصل من تحمل مسؤولية طرد الفلسطينيين وتحويلهم إلى لاجئين في شتى أنحاء العالم، فإن سياستها في الأراضي المحتلة تنسجم مع سياستها التي أصبحت معلنة في تهجير البقية الباقية من الفلسطينيين إلى الشتات. في عهد حكومة "نتنياهو" عام 1998، وتسلم "أرئيل شارون" وزارة البنى التحتية، دعا شارون جماعة "فتيان التلال" لاحتلال التلال الفلسطينية، فقد جاء في دعوته "أن ما نضع أيادينا عليه من التلال،سيبقى لنا، وما لا نضع أيدينا عليه، سيضع الفلسطينيون أياديهم عليه"، فجاءت مجزرة الحرم الإبراهيمي التي ارتكبها السفاح "باروخ غولدشتاين"، الذي أقيم له نصب تذكاري يؤمه المستوطنون ليصبح مزاراً، وما إقامة تنظيم مجرمي "دفع الثمن"، إلا على خلفية أيديولوجية للكراهية والانتقام من الفلسطينيين، ومحاولة تهجيرهم، وكله ينصب في سياسة الحكومة، ونذكر بمشروع وزير الخارجية "افيغدور ليبرمان"، للتخلص من (300) ألف مواطن من عرب الداخل، من حملة الجنسية الإسرائيلية، في منطقة وادي عارة، والمعروف باسم المثلث، وعلى رأسهم مدينة أم الفحم، ومحاولة حرق مسجدها، وقيام جماعة "كهانا" بمهاجمة هذه المدينة بحماية الشرطة الإسرائيلية، ما هو سوى جزء من المخطط الإسرائيلي الشامل لتشتيت أصحاب البلاد عن وطنهم. لقد ارتفعت جرائم "دفع الثمن" وفقاً لجريدة هآرتس "9-5-2014" بزيادة 200%، دون اعتقال ومعاقبة مرتكبيها، بل أن هذه العصابات تلقى تشجيعاً من أوساط حكومية، حتى أن قداسة البابا لم يسلم من تهديد هذه العصابات أثناء زيارته للأماكن المقدسة وبيت لحم، فقد أعرب الفاتيكان عن قلقه مما يحدث في القدس عشية زيارة قداسة البابا، حتى أنه طُلب من الكنيسة الكاثوليكية إنزال لافتة تحمل الترحيب بالبابا، فالفاتيكان قلق من تصاعد الكراهية في إسرائيل، وجريدة "هآرتس 11-5-2014" تعترف بوجود إرهاب يهودي وهذا، ما لا تريد الحكومة الإسرائيلية الاعتراف به. إن من أهم الدلائل على تشجيع الحكومة لجرائم "تدفيع الثمن"، رفضها اقتراح وزيرة العدل "تسيفي ليفني"، باعتبار هجمات المستوطنين، وجرائم "دفع الثمن"، والمتطرفين اليهود ضد الفلسطينيين كأعمال إرهابية، واعتبارهم إرهابيين، فقد رفض "نتنياهو" هذا التعريف، بل اعتبرهم مخالفين للقانون، والفرق أن اعتبارهم إرهابيين سيعرضهم للمحاكمة في محاكم عسكرية، والعقوبات تكون صارمة، مع دفع تعويضات للمتضررين الفلسطينيين عن الأضرار التي تلحق بهم، فهذه العصابات تلتهم أراضي الفلسطينيين، وتتعرض لممتلكاتهم ومزارعهم وتحرق مساجدهم وكنائسهم، وكتابة الكلام القبيح عليها، مع شعارات لطرد الفلسطينيين، وثقب إطارات سياراتهم بل وحرقها، وتقطيع أشجار الزيتون خاصتهم، دون أن تتخذ الحكومة أية إجراءات فعلية رداً على هذه الاعتداءات اليومية، بل أنهم يعملون تحت أنظار وحماية الجيش-الذي يعترف أن مهمته حماية المستوطنين- وليس له علاقة بحماية الفلسطينيين المعتدى عليهم، حتى أن رئيس جهاز "الشاباك" السابق "كارمي غيلون": اعترف بأن تصاعد جرائم عصابات "دفع الثمن"، التي وصلت إلى مدن وقرى وممتلكات الفلسطينيين داخل الخط الأخضر، إلى عدم رغبة الحكومة في ضبط مرتكبي هذه الجرائم ومعاقبتهم. في التقرير السنوي لوزارة الخارجية الأميركية، الذي نُشر مؤخراً، والذي استند إلى تقارير صادرة عن الأمم المتحدة، فقط أطلق على ما يقوم به المستوطنون ضد الفلسطينيين عملاً إرهابياً، معتبراً أن هذه الاعتداءات في تصاعد، وتمر دون معاقبة المعتدين، بل أن هذه الاعتداءات متواصلة ضد الممتلكات الفلسطينية ومقدساتهم، وحسب تقرير الأمم المتحدة، فإن (399) هجمة شنها المستوطنون في الآونة الأخيرة ألحقت أضراراً بممتلكات الفلسطينيين، شملت تخريب وتدنيس خمسة مساجد، وثلاث كنائس في القدس والضفة الغربية وداخل الخط الأخضر، فتفشي جرائم الكراهية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين، وانسداد وصول عملية السلام إلى طريق مسدود، يساوي فشل التعايش بين إسرائيل والفلسطينيين. إن هناك صعوبة في التجسير لوقف العنصرية الإسرائيلية، التي تجعل من التسوية والسلام مستحيلاً، فوفقاً لما جاء في جريدة "هآرتس21-5-2014" منسوباً لاعتراف الجيش الإسرائيلي، بأن ما يقوم به الجيش تحت مسمى التدريبات العسكرية في الأغوار، وفي الأراضي المصنفة بـ "ج" الهدف منها طرد الفلسطينيين، وهدم منازلهم، ومنعهم من البناء، لتقليص عددهم في هذه المنطقة، وجاء في جريدة "إسرائيل اليوم 21-5-2014" أن تنظيماً يهوديا جديداً شكل مجموعة على "الواتس أب" تسعى للاعتداء على المواطنين العرب، وقد كشف شريط فيديو أن الشابين اللذين قتلا من قبل جنود الجيش الإسرائيلي في بيتونيا، وهما الفتيين "نديم نوارة" و "محمد ظاهر"، لم يقوما بأي عمل ضد الجيش، وأن الجنود لم يتعرضوا لأي خطر، وقد شبهت الصحيفة عملية القتل هذه بمقتل "محمد الدرة" في غزة، فهذا الإعدام المتعمد كان سيمر كما مرة عشرات الإعدامات الأخرى، لولا شريط الفيديو الذي كشف جريمة القتل بحق فتيين أعزلين، مما دفع بالولايات المتحدة لطلب إجراء تحقيق في هذه الجريمة، حتى أن النائب في الكنيست "نحمان شاي" اعترف أن هناك وجه شبه بين قتل الفتيين ومقتل محمد الدرة، بينما يزعم الاحتلال بأن الشريط مفبرك، وهناك مثال آخر بأن الجندي "دافيد النحلاوي" الذي وجه سلاحه الجاهز لإطلاق النار باتجاه فلسطيني أعزل في الخامسة عشرة من عمره، تم تصوير الحادث، وجرى بثه على الفيس بوك، انتصر للجندي ثلاثة آلاف جندي تضامنوا مع "النحلاوي" الذي جرى معاقبته، وحاخام مستوطنة "يتسهار" طالب الجنود برفض تنفيذ أوامر الجيش ضد المستوطنين. هذا غيض من فيض، لكن يجب عدم التعميم، مع وجود قلة من الإسرائيليين يعارضون هذه الاعتداءات، فالأديب الإسرائيلي المعروف "عاموس عوز" وصف شبيبة التلال بالنازيين الجدد، وأن حركة "تدفيع الثمن" حركة نازية، وأن نجله "دانيال عوز" وصف جماعة "تدفيع الثمن" بأنهم نازيون عبريون جدد، واتهم مسلكية الجيش الإسرائيلي بأسوأ مما يقوم به منفذو "تدفيع الثمن"، وأخيراً هذه هي حالتنا، فهل من الممكن التصالح والتعايش مع هؤلاء الفاشيين الذين يغلقون كل طرق المصالحة، وبتشجيع من سياسة حكومتهم، كل طرق المصالحة؟