عين على قرية "بيت عطاب" المهجرة في القدس
الباحث عباس نمر- قام متطوعو الهلال الأحمر الفلسطيني بالتعاون مع اللجنة الوطنية لإحياء ذكرى النكبة وبمشاركة بلدية البيرة وجمعية العباسية الخيرية ومدرسة المغتربين بعقد ندوة شارك فيها نخبة من أبناء القرى الفسطينية المهجرة ضمن فعاليات ذكرى النكبة (66) لطالبة الأمم المتحدة بحقهم في العودة، حيث كان ذلك يوم الثلاثاء الموافق 13/5/2014.
وحمل العديد من الأطفال الصغار لوحات كتب عليها اسماء المدن والقرى المهجرة، وأكدوا تصميمهم على حق العودة.
وقدم الباحث عباس نمر حلقة عن إحدى قرى القدس الغربية المهجرة.
المقدمة:
إنها نكبة توالت عليها نكبات وهزائم وبعد مرور ستة وستين عاماً على نكبة الشعب الفلسطيني ما يزال يدفع ثمن إقتلاعه من أرضه ولجوئه إلى كافة أنحاء المعمورة يحمل معه المكان بموجوداته وذكرياته وأحداثه، ولا ولن ينسى أينما رحل وحيثما حل .. إنها الأرض .. الأرض المباركة أعز ما يملكون.
وها هي بلدة بيت عطاب تحدثكم عن نفسها من الرواية الشفوية خصوصاً من أمد الله في عمره ومتعه الله بالصحة والعافية الحاج عبد القادر حسن اللحام الذي جاوز التسعين من عمره ثم من الأرشيفات العثمانية ووثائق المحكمة الشرعية في القدس ومن بطون الكتب والمراجع والموسوعات إلا أن هذا البحث يبين أن بيت عطاب كانت من قرى القدس العامرة.
الموقع:
تقع قرية بيت عطاب إلى الغرب من مدينة القدس مع انحراف قليل إلى الجنوب وهي على بعد (17) كيلومتراً منها وترتفع عن سطح البحر بمعدل (650) متراً وهي رابضة على احد جبال القدس الغربية وكان للقرية عدة طرق منها طريق محطة سكة الحديد إلى دير الشيخ وطريق برية تصل بيت عطاب إلى دير الشيخ ثم إلى القدس وأيضاً الطريق الواصل إلى باب الواد والواصل ما بين يافا والقدس وكانت طرق سالكة تصل القرى المجاورة مثل قرى دير الهوى وراس ابو عمار وعلار وسفلى.
التسمية:
تقول الرواية الشفوية أن (بيت عطاب) بكسر العين هو الاسم الموروث عن الآباء والأجداد، وعرفت بيت عطاب حسب المؤرخ يوسسيبيو في القرن الرابع الميلادي باسم ايناداب (Enadab) أما في فترة الصليبية عرفت باسم بيت هاتاب (Bethahtab) وفي بداية العهد العثماني ومن خلال الوثائق الرسمية العثمانية ووثائق المحكمة الشرعية كان اسمها بيت عطاب السفلى والفوقا ومن خلال البحثين تبين أنهما قريتان متجاورتين بيت عطاب السفلى وبيت عطاب الفوقا وسميت بيت عطاب الفوقا لارتفاعها عن سطح البحر أكثر من بيت عطاب السفلى ثم بدأ يطلق على بيت عطاب الفوقا بيت عطاب وعلى بيت عطاب السفلى سفلى وذلك مع بداية القرن الثامن عشر.
المساحة:
بلغت مساحة أراضي بيت عطاب في عام 1945م (8757) دونماً ولا يملك اليهود فيها شبراً من الأرض، لكن أهالي القرية وخصوصاً كبار السن يجزمون ويعتقدون أن مساحة أراضي قريتهم أكثر من عشرين ألف دونم ويقولون أن خربة التنور المعروفة باسم (علار السفلى) هي أحدى خرب بيت عطاب ومن خلال البحث والتدقيق تبين أن مساحة القرية فقط هو المذكور مع منطقة خربة التنور وخربة التنور هي فعلاً من خرب بيت عطاب وزيادة للمعلومات فإن أهالي بيت عطاب لهم أراضٍ في قرية رافات وقريتي خلده وخربة بيت فار المجاورة للرملة.
الحدود:
يحد بيت عطاب من الشمال قريتا دير الشيخ ودير الهوى ومن الشمال الغربي والغرب قرية سفلى ومن الجنوب الغربي قرية جراش ومن الجنوب قريتا بيت نتيف وعلار ومن الجنوب الشرقي قرية علار ومن الشرق جزء صغير من قرية راس أبوعمار وقرية دير الشيخ.
عدد السكان:
كان عدد السكان حسب الوثائق العثمانية في القرن السادس عشر تحت اسم قرية بيت عطاب السفلى والفوقا في عام 1538م (70) نسمة وأما عام 1553م (266) نسمة وفي عام 1596مـ1597م وصلوا إلى (500) نسمة تقريباً أما عام 1838 زارها إدوارد روبنسون وقدر عدد سكانها (600) نسمة ووصف منازلها أنها متينة البنيان وبناؤها من الحجر وفيها منازل من طابقين أما في عام 1870 وصل عدد البيوت المعمورة في بيت عطاب (89) بيتاً وعدد السكان حوالي (450) تقريباً، وكان عددهم في عام 1922 (504) نسمات وفي عام 1931 وصلوا إلى (606) نسمات منهم (300) ذكر و(306) أنثى كلهم مسلمون ولهم (187) بيتاً وفي عام النكبة كان عددهم (626) نسمة، هذا وقد وصل عددهم حسب إحصائيات وكالة الغوث عام 2008 إلى (5564) نسمة.
من خلال التسلسل التاريخي كانت القرية تابعة للقدس الشريف وتقريباً في بداية القرن التاسع عشر أصبحت منطقة العرقوب تتبع لمدينة الخليل وبيت عطاب تابعة لناحية العرقوب إحدى نواحي الخليل، وفي عام 1845 كان يتبع ناحية العرقوب (21) قرية.
المسجد:
كان في القرية مسجد قديم وفي نهاية العهد العثماني كان إمام المسجد الشيخ يوسف الخطيب وفي أحدى الفترات كان أيضاً إماماً للمسجد الشيخ محمد الشاذلي وكانت تقام في المسجد صلاة الجمعة والعيدين وقبل النكبة كان اساتذة المدرسة هم من يقومون بالخطابة وصلاة الجمعة، حيث أنهم من خريجي الأزهر، وفي رمضان معظم رجال البلدة يفطرون في المسجد وكانت صلاة العيد تقام فوق المسجد أو ساحات المسجد لكثرة المصلين.
الحياة الاقتصادية:
كغيرها من القرى الفلسطينية كانت بيت عطاب خصبة بمزروعاتها واحتلت الزراعة المرتبة الأولى في قائمة اقتصاديات القرية ثم تربية المواشي، وعدد من الوظائف وكانت بيت عطاب مع جارتها قرية سفلى في القرن السادس عشر لهن شهرتهن في الزراعة وتربية المواشي.
الثروة الزراعية:
اتسمت الزراعة في بيت عطاب بالتركيز على الزراعة البعلية، والحبوب هي لب الإنتاج الزراعي ويأتي في مقدمتها القمح والشعير والعدس والحمص والفول والكرسنة... إلخ، وهذه الزراعة الشتوية أما الزراعة الصيفية أهمها الذرة والسمسم وبالقرب من العيون زرعت بساتين الخضروات بالإضافة إلى المقاثي مونة البيت، وفي خربة التنور وبالقرب من العين زرعت الحمضيات وخصوصاً الليمون والبرتقال.
الثروة الحيوانية:
بقدر اهتمام أهالي بيت عطاب بزراعة الأرض اهتموا بالثروة الحيوانية وكان نمط معيشة المزارع أن يربي الأغنام والأبقار والجمال والخيل والحمير استعملوها كوسائط نقل ولحراثة الأرض ولم يكن بيت يخلو من هذه الحيوانات وكان في نهاية الفترة العثمانية الاهتمام أكثر وكان في بيت عطاب أكثر من (20) راعي للأغنام والعجال حتى الجمال وقبل عام 1930م كان في القرية أكثر من (70) جملاً و (100) خيل و(400) رأس بقر وحوالي (3000) رأس من الغنم و(200) حمار و(45) بغلاً وفي البلدة كل أنواع الطيور الداجنة من دجاج وحمام وبط وحبش وأكثر بيوت القرية كان فيها خلايا النحل ، وكان في البلدة عدد من الدكاكين ونجارين وحدادين وحلاقين ولحامين.
الإنتداب والرحيل:
عرف عن أهالي بيت عطاب حماستهم ومشاركتهم وتفاعلهم مع ما كان يدور حولهم من أحداث في فلسطين رغم فقد السلاح لمقارعة قوات الانتداب البريطاني ومن معه وكانت السياسة البريطانية مع اليهود ومساعدتهم ودعمهم بالسلاح وفتحت لهم أبواب الهجرة إلى فلسطين ولأهل بيت عطاب مشاركتهم في إضراب 1936 وما بعده وكان منهم قائد فصيل منطقة العرقوب أحمد جابر الحوباي الذي أستشهد في عام 1938.
وعندما أعلنت حكومة الانتداب البريطاني الجلاء عن فلسطين في 15/5/1948 كانت الدولة اليهودية جاهزة وما عليها إلا الإعلان عنها وفعلاً أعلنت دولتهم والشعب الفلسطيني ترك للجيوش العربية بالدفاع عنه وبدأ الإعلام بنشر أخبار المذابح وتدمير القرى الأمر الذي سبب لشعب فلسطين الخوف لعدم وجود قيادة.
أما تهجير بيت عطاب فقد ضرب القرية وأهلها العزل بالمدفعية والدبابات من خلال عملية ههار فدمرت البيوت فوق رؤوس أصحابها فهرب الأهالي وقامت الدبابات باقتحام القرية وذلك يوم 21/10/1948 وعملية ههار كان الهدف منها طرد أهالي قرى القدس الغربية وتدمير قراهم وبيت عطاب قدمت الشهداء والجرحى ومن الشهداء العبد ناجي ملحم استشهد هو وزوجته حليمة في خربة بيت فار واستشهد ابراهيم خليل عليان في بيت عطاب وأيضاً الشهيد محمود زهران.
وهكذا هُجر ونزح أهلها على طريقة التهجير العرقي عنها لا يعلمون شيئاً عن غدهم تاركين وراءهم أرضهم.. تراثهم.. تاريخهم أعز ما يملكون، غارقين في الحيرة لما أصابهم وحل بهم موزعين في البقية الباقية من هذا الوطن وشتى أطراف العالم على أمل العودة إلى قريتهم بيت عطاب.