هل سيكون الفاتيكان عراب عملية السلام - بسام صالح
حملت زيارة قداسة بابا الفاتيكان فرانسيس الارجنتيني الاصل للاراضي المقدسة، والتسمية ليست لي، العديد من المعاني، منها المبطن ومنها المعلن كوضوح الشمس. واولى هذه المعاني انها جاءت بعد ان افشلت واغلقت اسرائيل بحكومتها العنصرية اي تصور للوصول لحل سلمي دبلوماسي يعطي الفلسطينيين الحد الادنى الذي اقرته الشرعية الدولية، اي حدود الرابع من حزيران عام 1967 بما فيها القدس الشرقية، وضمان تنفيذ حق عودة اللاجئين الفلسطينيين حسب القرار الاممي 194. انهاء المفاوضات اسقط ايضا الورقة الامريكية التي تدعي انها راعية المفاوضات واظهرت عجز الادارة الامريكية على ممارسة الضغط المطلوب على الحكومة الاسرائيلية كي تقبل بالشرعية الدولية. وهذا ما ترك الساحة خالية تماما من اي وساطة جديدة لدفع ما تعارف عليه دوليا باسم عملية السلام. في المقابل اظهرت ديناميكية السياسية الفلسطينية قدرتها على الحراك الدبلوماسي الدولي بشكل فعال دون تقديم اي تنازل عن الثوابت الفلسطينية التي اصبحت موقفا مشتركا لفصائل العمل الوطني والاسلامي، وخطا احمر لا يمكن التنازل عنه. وعلى المستوى الداخلي الفلسطيني تمكنت القيادة وبنهج برغماتي من التوصل الى اتفاق لتنفيذ اتفاقيات القاهرة والدوحة ووضعها موضع التنفيذ، وتشكيل حكومة فنيين او تكنوقراط، بتوافق بين فتح وحماس، مهمتها ليست سهلة فهي تسير بحقل ملئ بالالغام. ولكن المهم ان هناك حكومة فلسطينية واحدة وهذه بداية لرحلة تستمر ستة اشهر للوصول الى الانتخابات التشريعية والرئاسية، وبالتالي انهاء حالة الانقسام الشاذ الذي استمر زهاء ثماني سنوات. ردة الفعل الاسرائيلية المحمومة على تشكيل الحكومة الفلسطينية هي خير دليل على اننا نسير على الطريق الصحيح، وردة الفعل الامريكية المناقضة للموقف الاسرائيلي باستعدادها للتعاون مع الحكومة الفلسطينية وكذلك الموقف الاوروبي اعطيا لرئيس الحكومة الاسرائيلية صفعة جديدة لسياسته العنصرية المتطرفة. وجاءت زيارة قداسة البابا لفلسطين مباشرة عبر الاردن ووقفته الشهيرة امام جدار الفصل العنصري لتقول للعالم ان هذا الجدار القائم هو ادق تعبير عن حالة الابارتايد التي تفرضها اسرائيل على الشعب الفلسطيني. وجاءت دعوته لاستضافة الرئيس الفلسطيني ابو مازن والاسرائيلي شمعون بيرس في بيته في الفاتيكان تعبيرا عن رغبة صادقة بعدم اسدال الستار على الصراع القائم. ورغم ما تعرض له الفاتيكان من ضغوط الا انه تمكن وخلال فترة لا تزيد عن اسبوعين من ابقاء الاضواء مسلطة على ما يجري في الاراضي الفلسطينية المحتلة. الفاتيكان دولة لا تملك السلاح ولا تملك الثروات الطبيعية، ولكن تاثير قوتها المعنوية يفوق كل التقديرات لما تخلقة من حركة داخل المجتمع باتجاه التعبئة الروحية والمعنوية بين المؤمنين. كانت كلمات قداسته واضحة بان هذا اللقاء لن يجلب السلام فورا بين الفلسطينيين والاسرائيلين، وان الصلوات ودعوات الاستغفار من الديانات السماوية الثلاث لن تنهي معاناة الشعب الفلسطيني ولن توقف الاستيطان وسرقة الاراضي ولن تخرج الاسرى او تعيد اللاجئين لبيوتهم وممتلكاتهم، ولكن السياسة الفاتيكانية التي تعرف كل ذلك اصرت على هذا اللقاء لانها تعلم انها بذلك تحرج السياسيين في امريكيا وفي اوروبا وفي العالم وتطالبهم بتحرك سريع لايجاد الحلول العادلة المستندة لمبادئ الشرعية الدولية والعدالة. على المستوى الاعلامي حظيت قضية فلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني باهتمام بالغ رغم معرفتنا بان الاعلام الغربي والايطالي ليس منحازا مع الشعب الفلسطيني وحقوقه الا ان البث المباشر لزيارة ضيوف البابا فرانسيس اعطت لقضيتنا جزءا من حقها الاعلامي سواء في الصحف او في التلفزيونات، واظهرت الكثير من التعليقات النقد الشديد للسياسات الاسرائيلية خاصة عند التعريف بالرئيس الاسرائيلي الذي لم يفز يوما بانتخابات سياسية، وانه كان وزيرا مشاركا سواء في شراء الاسلحة النووية او في بدء الاستيطان ناهيك عن دوره في مجازر قانا الاولى والثانية ويكفي القول انه من مواليد بولندا ومقارنة ان ابو مازن من مواليد فلسطين. لاظهار من هو صاحب الحق ومن هو المغتصب القادم من الخارج. لا احد يستطيع التكهن بما سيحمله المستقبل من مبادرات جديدة على ضؤ هذه الزيارة التاريخية للفاتيكان، وهل سيقوم بدور فعال لدفع عجلة العملية السلمية الى الامام، بشكل مباشر ام غير مباشر؟ وهل سيكون الفاتيكان نقطة لقاء وانطلاق للعملية السلمية؟ خاصة بعد عجز الادارة الامريكية وما تملكه من وسائل ضغط مادي ومعنوي في ارغام اسرائيل وحكومتها التي بدأت تتفسخ نتيجة لمواقفها العنصرية بالرضوخ لقرارات الشرعية الدولية، هل ستكون قوة الفاتيكان المعنوية والاخلاقية اقوى من وسائل الضغط المادية الدولية؟ هذا ما ستكشفه المرحلة القادمة.