شيء عن التوازن الاخلاقي- رئيس تحرير جريدة الحياة الجديدة
على ما يبدو يقرأ الاسرائيليون الحكوميون الراصدون لجريدتنا ما ننشر من انباء وتقارير ومقالات رأي ورسوم كاريكاتير، كمثل منجمين يزعمون قراءة الغيب، او كمثل قراء الفناجين، يبحثون عن اشارات وكلمات وصور ليفسروها مثلما تشتهي نواياهم واهدافهم الرامية لالصاق تهمة التحريض بنا وضدنا ...!!
انهم لا يقرأون النص، خبرا كان او مقالا او صورة او رسما، بقدر ما يسقطون عليه ما يريدون من غايات سياسية، ولهذا اعتبروا الرسم الكاريكاتيري الذي نشرناه يوم امس الاول من مواد "التحريض" في تأويل هو في غاية الغرابة يقول باننا في هذا الرسم نعبر عن ابتهاجنا "باختفاء" المستوطنين الثلاثة ...!!!
كان الرسم بسيطا: كأس العالم لكرة القدم بقبضات ثلاث تمسك بالمستوطنين الثلاثة، وتحته كلمة الخليل بالانجليزية، والمغزى ان الحدث الابرز اليوم في الخليل هو "اختفاء" هؤلاء المستوطنين طالما ان العالم في اللحظة الراهنة مشغول بمتابعة مباريات كأس العالم، الحدث الابرز والاهم دائما في عالم كرة القدم، ثم ان وجود المختفين الثلاثة في دائرة كرة القدم الموجودة في الكاريكاتير يشير في حبكة المجاز، الى غموض هذه الحادثة وعدم استقرارها على وضع محدد، تماما كحال الكرة في المستطيل الاخضر.
لا الكأس كأسنا، ولا فريق لنا في مونديال البرازيل، لكن "حادثة" اختفاء المستوطنين الثلاثة بتداعياتها العسكرية الاسرائيلية العنيفة ضدنا جعلت من هذه "الحادثة" الحدث الابرز عندنا، فاجتهد رسامنا للتعبير عن ذلك فلم يجد غير كأس العالم ليلفت الانتباه الى ثقل هذا الحدث وتداعياته العنيفة، فأين الابتهاج في هذا الرسم ..؟؟
لسنا من الذين يعرفون التشفي، وثقافتنا وعاداتنا وتعاليمنا السماوية تحرم علينا ذلك، وحين نوضح هذا الامر، فليس لأننا نخشى هذه التهمة الباطلة وانما لأننا سئمنا هذا الرصد الاسرائيلي الرغائبي، المفتري والمتحامل والذي لا يعرف شيئا عن التوازن الاخلاقي في رصد التحريض على الجانب الاسرائيلي والذي هو تحريض على الكراهية والقتل وبامتياز بالغ العنصرية، وأحدث نتاجاته الصفحة التي أنشأتها على موقع "فيسبوك" مجموعة من الاسرائيليين تحت عنوان "تنفيذ عملية قتل كل ساعة لمخرب حتى عودة المختطفين اليهود" وذلك تحت شعار العودة الى الاخلاق اليهودية...!!!
صحيفة معاريف الاسرائيلية هي التي نشرت خبر هذه الصفحة يوم امس الاول على صفحات موقعها الالكتروني وقالت ان اكثر من عشرة الاف اسرائيلي أيدوا هذه الدعوة الدموية.
ثمة مثل شعبي عندنا يقول "الجمل لا يرى حدبته" وعلى ما يبدو فإن الراصد الاسرائيلي كمثل هذا الجمل ايضا، والمشكلة ان حدبة هذا الراصد كبيرة وكبيرة جدا وهو حين لا يرى الاحتلال وسياساته التي لا تفعل شيئا سوى القتل والتحريض على القتل والكراهية، وثقافة السلام في المحصلة هي نتاج مشترك، لا نظن ان تقارير الراصد الاسرائيلي تسعى في هذا الاتجاه وهي تتصيد تلك الكلمات والاشارات وتضعها في غير موضعها.