"ابو اياد ... عملاق فلسطين"-عيسى عبد الحفيظ
اثارت كلمات الشاعر الصديق احمد دحبور الاخيرة على صفحات جريدة (الحياة الجديدة) حول مساواة الماء والخشب ذكريات مع القادة الذين سبقونا على درب النضال، والى العالم الآخر. واحد ابرز هؤلاء القادة الشهيد صلاح خلف (ابو اياد ) ابن يافا الذي غادرها وهو في مقتبل العمر مع اهله الى غزة، ليعيش لاجئا مرغما على المثول امام المحققين باستمرار فقط لأنه فلسطيني حتى وصلت به الامور الى تأليف كتابه المشهور "فلسطيني بلا هوية".
وفي الكتاب يروي الشهيد ابو اياد شيئا من المعاناة التي فرضت على الفلسطينيين بالهجرة واللجوء، والأدهى والأمر معاناتهم مع أجهزة المخابرات الشقيقة.
وخارج نص الكتاب، كان ابو اياد يذكرنا نحن الاصغر منه سنا بما سبق أن تعرض له هو وغيره من ابناء شعبنا من قهر واضطهاد وجلسات تحقيق طويلة على يد ابناء الجلدة الواحدة، ليبين فضل الثورة وضرورتها للشعب الفلسطيني، الذي وان كان لم يستطع تحقيق اهدافه في الحرية والاستقلال واقامة دولته المستقلة وبناء كيانه الذاتي الفلسطيني الوجه العربي العمق، والعالمي الابعاد. الا انه استطاع ان يعيد الكرامة الوطنية التي تحققت بفضل انتزاعه كرامته الذاتية من مخالب الوصاية والتبعية والهيمنة ومحاولات سلب التمثيل، وسياسة الاحتواء. وكل ذلك بفضل الثورة التي فجرتها حركة فتح والتي كان ابو اياد احد مؤسسيها الاوائل. كان يفتخر بان الشعب الفلسطيني بفضل ثورته ? ثورة المستحيل ? وثورة بساط الريح قد استطاع ان يمسك بقضيته بيده، وان يقرر هو وليس غيره ما يجب ان يكون.
في احدى جلساته مع الرئيس الراحل حافظ الاسد، وفي بدايات الصدام معه حول لبنان والتواجد الفلسطيني هناك، كانت حجة الاسد ان لا قرار فلسطينياً مستقلاً بل قرار قومي عربي. فوافقه الشهيد ابو اياد على ذلك الطرح، لكنه طلب ان يوضع القراران السوري والفلسطيني معا على الطاولة، وحينها سيتحقق القرار القومي، وبديهي ان ذلك الطرح لم يعجب الرئيس السوري!
ابو اياد القيادي الفتحاوي، صاحب القامة العالية، المعتز بفلسطينيته، هاجم معظم القادة العرب علانية وجهارا عبر خطبه الصريحة الساخنة، خطيب مفوه،عندما يعتلي المنصة يأسر القلوب قبل الاسماع، لا يهاب سطوة الحكام مهما علا شأنهم، فقد كان عند استقلالية القرار الوطني الفلسطيني عنيدا الى حد الصدام والى استعداد تام لتحمل النتائج مهما كانت.
احتفظت بصورته اعتى أجهزة المخابرات الدولية، وكان حضوره طاغيا مهابا مؤثرا على السياسة الاقليمية والدولية. نسج شبكة علاقات واسعة وكانت قاعدته الاساسية في العمل المعاملة بالمثل، والند بالند، حتى مع دول كبيرة كفرنسا والمانيا.
مهندس العلاقات الفلسطينية ? اللبنانية والذي حاول جاهدا ان يجنب لبنان الحرب الاهلية باجتماعاته المتكررة مع امين الجميل وشقيقه بشير ووالدهما بيار، لكن المؤامرة كانت اكبر من محاولاته، ورغم كل الاجتماعات السرية التي عقدت بينه وبين آل الجميل في منزل السيدة المرحومة شيرمين حنيني، حفيدة السلطان عبد الحميد الثاني في منزلها في الرملة البيضاء في بيروت، الا ان التورط الكتائبي مع اجهزة الامن الاسرائيلية كان قد قطع شوطا بعيدا، وكان المئات منهم قد توجهوا الى اسرائيل للتدريب والتزود بالاسلحة والذخائر.
ومع ذلك لم يقطع ابو اياد الامل فبقي يحاول لتجنب سفك الدماء وانهيار الدولة اللبنانية الذي حدث بعد رحيل الرئيس سليمان فرنجية، فحدث الفراغ الرئاسي وتشرذم الجيش وسقطت الدولة.
ابو اياد اسطورة فلسطينية، تفتخر به فلسطين وكل احرار العالم فقد كان صديقا لكل حركات التحرر في آسيا وافريقيا وأميركا اللاتينية.
اذكر انه في احدى زياراته للجزائر، روى لنا قصته الشخصية مع الانظمة العربية وضرب مثلا واحدا، تستطيع ان تستشف منه كل شيء في احدى سفراته لعلاج احدى بناته، وصل الى بيروت قادما من الكويت برفقة عائلته، فتم حجزه مع كامل افراد اسرته في ترانزيت المطار لأنه يحمل وثيقة سفر فلسطينية، وتم حجز كلب لاحدهم لأنه لم يحمل شهادة التطعيم في الغرفة نفسها، وبعد قليل استطاع صاحب الكلب ان يستصدر له الشهادة المطلوبة فجرى اطلاق سراح الكلب وبقي ابو اياد وكامل عائلته في الحجز؟
يعلق ابو اياد على هذه الحادثة بانه ومن ساعتها قرر ووصل الى قناعة تامة ان قدر الفلسطيني هو الثورة، فالفلسطيني مطلوب ولو حمل كل جنسيات العالم، فهويته سلاحه وهكذا كان.
ابو اياد لن افيه حقه في هذه العجالة لكن للحديث بقية.