دولة الفساد الإسرائيلية - غازي السعدي
مع انتهاء ولاية "شمعون بيرس" كرئيس للدولة، ومع أن منصب الرئيس في إسرائيل فخري لا يتمتع بسلطات تنفيذية، لكنه يصبح المواطن رقم (1)، وهو الذي يكلف المرشح لتشكيل الوزارة في أعقاب الانتخابات العامة للكنيست، ويجري المشاورات مع جميع الكتل البرلمانية دون استثناء لاستمزاج آرائهم بالمرشح المفضل لهم لتشكيل الوزارة، ومن صلاحية الرئيس منح العفو عن المساجين، أو تخفيض مدة أحكامهم، لكن ذلك يتطلب توصية من وزير العدل، ومع ذلك فإن الطامحين بالحصول على منصب رئيس الدولة كثر، ففي المنافسة على هذا المنصب ذُكرت أسماء عديدة، منها وزير الخارجية السابق "سلفان شالوم" وهو مرشح رئيس الوزراء "نتنياهو"، لكنه انسحب من المنافسة في أعقاب التحقيق معه من قبل الشرطة في قضايا لا اخلاقية، وحيث أن "نتنياهو" على عداء مع المرشح "رؤوبين ريفلين" حاول ترشيح "دافيد ليفي" –وزير خارجية سابق- لهذا المنصب، إلا أن هذا الترشيح قوبل بمعارضة من قبل حزبه الليكود، وكان من بين المرشحين البارزين وزير الحرب السابق "بنيامين بن اليعيزر" -من "حزب العمل" -إلا أنه وقبل أربعة أيام من موعد إجراء الانتخابات، كشفت الشرطة وبدأت التحقيق معه باستلافه مبلغ (400) ألف دولار من ملياردير إسرائيلي صديق له، مع أن القانون يُلزمه بالكشف عن أمواله وممتلكاته، إلا أنه لم يكشف عنه، وبعد ذلك عُثر في صندوقه في بنك "ديسكونت" على أكثر من نصف مليون دولار، ادعى أنها تعود لابنه، فهذه الشبهات والتحقيقات اضطرته إلى الانسحاب من المنافسة والخضوع إلى التحقيقات، وكادت الفضائح أن تطال المرشح الوزير السابق مائير شطريت" من حزب الحركة بتهمة التحرش بخادمة منزله، إلا أنه دفع لها مبلغ (270) ألف شيكل، للامتناع عن تقدمها بشكوى ضده بالتحرش الجنسي، وقد وصل هذا الاتهام إلى المستشار القضائي لفتح التحقيق معه بهذا الاتهام. رئيس الوزراء "نتنياهو"، حاول تأجيل موعد انتخاب رئيس الدولة في محاولة منه لتشريع قانون لإلغاء منصب الرئيس، واستبداله بقانون جديد لتكون الرئاسة على النموذج الأميركي، الذي أراد تفصيله لنفسه، إضافة لخصامه مع المرشح "رؤوبين ريفلين" ولإبعاده عن هذا المنصب، مع أنه من حزب الليكود، وتعود أسباب الخصومة للانتقاد الساخر الذي وجهه "ريفلين" لزوجة "نتنياهو" "سارة"، لدورها وتدخلها في الشؤون السياسية، حيث شعرت بالإهانة، كذلك لتصفية حساباته مع "ريفلين"، الذي وجه انتقادات عنيفة لسياسات "نتنياهو" حين كان "ريفلين" رئيساً للكنيست، لكن "نتنياهو" أجبر على إعلان تأييده لـ "ريفلين" في الانتخابات لرئاسة الدولة بضغط من حزبه، لكنه حسب التسريبات، عمل جاهداً لإفشال انتخابه، فهو لا يريده أن يفوز بالمنصب، ورغم ذلك، وبعد فوز "ريفلين" كان "نتنياهو" أول المهنئين له، مع أن وسائل الإعلام الإسرائيلية، اعتبرت "نتنياهو" الخاسر الأكبر من فوز "ريفلين" واهتزاز في مركزه. لقد خاض انتخابات الرئاسة خمسة مرشحين: 1-"رؤبين ريفلين" الذي حصل في الجولة الأولى على (44) صوتاً، 2-"مائير شطريت" الذي حصل في الجولة الأولى على(31) صوتا، 3-"داليا اتسيك" -وزيرة ورئيسة الكنيست سابقاً -حصلت على(28) صوتاً، 4-القاضية المتقاعدة "داليا دورنر" والتي حصلت على (13) صوتاً، والبروفيسور "دان شيختمان" الحائز على جائزة "نوبل" بالكيمياء حصل على صوت (1)، الأمر الذي أدى إلى جولة ثانية بين كل من "ريفلين" و "شطريت" بصفتهما حصلا على أكثر الأصوات، وكانت النتيجة حصول "ريفلين" على (63) صوتاً مقابل (53) صوتاً لـ "شطريت"، فأعلن عن فوز "ريفلين" الرئيس العاشر لإسرائيل. "ريفلين" من مواليد القدس عام 1939، من عائلة هاجرت من لاتفيا في أوائل القرن التاسع عشر، والده بروفيسور في التاريخ ومستشرق، ومن بين أعماله ترجمة القرآن الكريم إلى العبرية، و"ريفلين" خدم في سلاح الاستخبارات، وسلاح المدفعية برتبة نقيب، التحق بالجامعة العبرية ودرس القانون، انضم مبكراً إلى حركة "حيروت"، ثم "الليكود"، شغل مناصب عديدة قبل أن يدخل الكنيست عام 1988، ثم أصبح رئيس الكنيست لدورتين ووزيراً للاتصالات. أما على الصعيد السياسي فإن "ريفلين" ينتمي إلى الجناح اليميني في الليكود، ويعارض حل الدولتين، كما يعارض إقامة دولة فلسطينية،ويدعم نظرية إسرائيل الواحدة من البحر إلى النهر، وكان قد رفض في الماضي خطة الانفصال عن قطاع غزة، كما رفض خطاب بار إيلان لـ "نتنياهو" بحل الدولتين، والغريب أنه على علاقة جيدة مع النواب العرب في الكنيست، ويدعو للشراكة بين المواطنين العرب واليهود في إسرائيل، وكان متحفظاً من موجة التشريعات العنصرية ضد عرب الداخل، وأبدى استقلالاً في آرائه، ولم تخف الحركات الاستيطانية ارتياحها لانتخابه، باعتبار أنه صديق فعلي لسياسة الاستيطان وإسرائيل الكبرى، فهو لا يختلف مع "نتنياهو" سياسياً، بل أن الخلاف بينهما شخصي، فانتخابه شكل نكسة لمعسكر السلام الإسرائيلي، لأن هذا المعسكر فشل في الاتفاق على تأييد مرشح واحد، بل أن الأصوات توزعت، والحقيقة أن هذه الانتخابات لم تكن على أساس حزبي، بل على أساس شخصي. "مائير شطريت" الذي كان المنافس الأقوى على هذا المنصب، وتوقع له الكثيرون الفوز، وكما ذكرنا أن تحقيقات تجري ضده بتهمة التحرش بخادمة منزله، قد تكون هي التي أثرت على انتخابه، فهو ينتمي إلى معسكر السلام، وحل الدولتين، وإقامة الدولة الفلسطينية، وله مواقف علنية يجاهر بها في هذا الاتجاه، فماذا لو فاز بالرئاسة، وانكشفت هذه الاتهامات ضده؟ فقد أصبحت إسرائيل بمعظم رؤسائها، ووزرائها، جزءاً من الفساد، فالفضائح تعم إسرائيل على الصعيدين الرسمي، وغير الرسمي، هذه الفضائح أصبحت عادية تعود عليها الجمهور الإسرائيلي، تمر عليه كمر الكرام، فإضافة لما ذكرنا عن "بن إليعيزر"، و"شطريت"، فقائمة الفساد في إسرائيل طويلة، ولو عدنا قليلاً إلى الوراء، فإن "عيرزا وايزمان" الذي انتخب عام 1993 رئيساً للدولة، استقال من منصبه عام 2000، بعد أن اكتشف أنه تلقى أموالاً من رجال أعمال، وحل مكانه "موشيه قصاب" الذي تنافس على هذا المنصب وحصل على (63) صوتاً، مقابل منافسه "شمعون بيرس" الذي حصل على(57) صوتاً، وكانت نهايته الحكم عليه بالسجن بتاريخ 29-12-2010، لمدة سبع سنوات يمضيها في السجن، وقائمة الفساد في إسرائيل كبيرة، من وزراء ونواب كنيست وعسكريين ومسؤولين، كان آخرها رئيس الوزراء "إيهود اولمرت"، الذي أدين بالسجن لمدة ست سنوات، إضافة إلى شخصيات اعتبارية عديدة لا تحتل مناصب رسمية، والسؤال الذي يجري تداوله في إسرائيل، هل ستنكشف في المستقبل فضائح فساد تطال الرئيس الجديد "رؤبين ريفلين"، ويبقى الرد على هذا السؤال للمستقبل، لكن "شمعون بيرس" المعروف على الصعيد الدولي، على عكس "ريفلين" غير المعروف، والبعيد عن الأضواء، والذي لا يتقن اللغة الإنجليزية بشكل جيد، فقد نجا حتى الآن من الانغماس بالفساد حالياً، على الأقل، فهذه هي إسرائيل والعفن والفساد الذي يلاحق كبار مسؤوليها، والمخفي أعظم، فالفساد ينخر جسم السياسيين الإسرائيليين، الذين يواصلون حياتهم السياسية على التطرف، وتناول المهدئات، فهل ينخر الفساد جسد إسرائيل بأكمله حتى يتداعى؟