إنسانية الجملة السياسية
في علم السياسة وفي عالمها الواقعي، تتسيد المصلحة والمنفعة بأنانية مطلقة تقريبا هذا العلم وهذا العالم، ولهذا يصعب العثور دائما على جملة في خطابات السياسة وفي سلوك اصحابها تشير الى تفهم وتنور انساني لقضايا الصراع، ايا كانت واينما كانت، جملة تعكس شجاعة الموقف بواقعيته النضالية التي لا تلتفت للمزايدات البلاغية وشعارتها الراديكالية البراقة .
ودون مواربة، بل وباعتزاز كبير فان فلسطين وبعد ان أصبح حالها دولة في الامم المتحدة وان كان بصفة مراقب، باتت لها في الخطاب السياسي للرئيس ابو مازن، هذه الفتوحات في عالم الجملة السياسية المحمولة على التفهم والتنور الانساني، وعلى نحو بالغ الوضوح في كل ما يتعلق بقضايا الصراع مع اسرائيل حتى في التباساته الشعبوية ان صح التعبير، واكثر ما يعزز مصداقية هذا الامر بالغ الاهمية، ان خطاب الرئيس ابو مازن لا يعرف التلون ولا المزايدات الاستهلاكية، ولا خصوصيات المنابر والمحافل وما شابه ذلك، كما كلمته في جدة مؤخرا، جاءت كلمته امام الصحفيين العرب في مقر الرئاسة برام الله مساء امس: نحن ننظر الى الاسرائيليين كبشر ونريدهم ان ينظروا الينا كما ننظر اليهم، وكان الحديث عن موضوع المستوطنين الثلاثة الذين يقال بأنهم مختطفون ...!!
لا شيء اكثر وضوحا في هذه الجملة من انسانيتها، التي لا تقولها فلسطين على لسان الرئيس ابو مازن لترضي احدا هنا او هناك، وانما هذه هي عدتها الاخلاقية التي تنازل وتقاوم بها الاحتلال الذي يعرف ان هذا ما يجعلنا متفوقين عليه انسانيا، وهو لا يريد لنا ذلك، وبهذه العدة التي في سيرتها ملاحم بطولية فذة وتضحيات عظيمة، قد انتصر الدم على السيف وما زال ينتصر بدلالة ان العالم كله اليوم اكثر استماعا وتفهما وتجوابا مع خطاب فلسطين وقضيتها، وما اتخذه هذا العالم في الاونة الاخيرة من موقف مؤيد وداعم لحكومة الوفاق الوطني لا يدع مجالا للشك ان هذا الخطاب يتقدم فيما خطاب الاحتلال في تراجع وانحسار .
انها مصداقية وجدوى الجملة السياسية المحمولة على انسانيتها المتطلعة دائما لكتابة التاريخ على نحو يجعل من السياسة وخطابها عملا نضاليا لا يعرف المساومة، لا على اهدافه ولا على اخلاقياته، وقدما نحو تحقيق اهدافه كاملة في دحر الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس الشريف .
رئيس تحرير الحياة الجديدة