الخوذة لن تنتصر- فتحي البس
يشتعل الاقليم من حولنا. الطائفية البغيضة تحرق الأخضر واليابس، والحكومات التي يفترض أنها أمينة على حياة الناس والحدود والوطن بكل مفرداته تمارس الغطرسة والاستكبار وتنفخ لتزيد النار اشتعالا مدعية ان ذلك يحمي الامة، بينما هو في الحقيقة تدمير لنسيج المجتمعات ودفع للمزيد من التطرف، والسبب انها، اي الحكومات او القوى المتنفذة تستند الى قاعدة طائفية وتمثلها أو تستفيد منها، ولا تلتفت إلا لذاتها، تماما كـ "نيرون" الذي أحرق روما لترضى نفسه المريضة.
اسرائيل، وليدة الاسطورة والعنصرية والحرب، تعتقد ان اشتعال الاقليم يطلق يدها ويريحها وأن النار لن تصل إليها فتتمادى في القتل والحرق والتخريب والاعتداء بكل الاشكال التي لا تليق ببشر، وتنسى قياداتها، أن هذا اللهيب المشتعل بسببها وسيوجه اليها في نهاية المطاف.
قيادة اسرائيل العنصرية والمتطرفة لم تتعلم الدرس. منذ ما يزيد على ستين عاما، قتلت وشردت ورحلت وأسرت، ودمرت وانتصرت في حروب وضمت أراضي، لكنها في الحقيقة مأزومة، فهي لم تستطع أن تطفئ اشتعال روح العربي الفلسطيني ولم تستطع ان تطمس الهوية الوطنية الفلسطينية، ولم تستطع أن تمنع تبلور الكيانية الفلسطينية باتجاه تحقيق دولة وإن كانت مراقبة في الامم الامم المتحدة، على طريق البناء الانساني والحضاري النقيض التام لإسرائيل حضاريا وأخلاقيا وسياسيا.
الفلسطيني يعيش مطمئنا إلى مستقبله لأنه يعيش العصر والواقع والحق، بينما الإسرائيلي يعيش في خوذة جندي الأسطورة، القاتل والمتوحش، غير المطمئن إلى مستقبله، يتسربل بالسلاح من رأسه حتى قدميه، لكنه لا يستطيع أن يغمض عينيه من الخوف وعدم الإحساس بالأمن، فأمنه لم يتحقق منذ ولادة إسرائيل، رغم الدعم الهائل الذي حصلت عليه من الغرب خاصة الولايات المتحدة الاميركية ودول أوروبية أخرى كبريطانيا التي ساهمت في هذه الولادة المشوهة.
بحجة اختفاء ثلاثة مستوطنين تواجدوا على أرض ليست لهم، غاصبين ومتحدين لأصحاب الأرض، تستبيح اسرائيل الضفة وتهدد غزة، وتتوعد الرئيس محمود عباس وعموم القيادة الفلسطينية، وعلى الأرض، تمارس الارهاب على المواطنين في مدنهم وقراهم، تقتل وتفتش في أواني الطبخ ورضاعات الحليب ومرطبانات الزيتون والمخلل والزعتر بحثا عن المستوطنين، فلا تجدهم وبدل أن تتوقف عن هذه الهمجية، وتراجع سياستها وتبحث عن أسباب هذا الاختفاء، تستعرض قوتها التي نعرف أنها جبارة، وتعرف هي أنها لا تخيف شعبا تمرس على المواجهة والتحدي، تعلم أن دم شهدائه وأوجاع أسراه وآلام جرحاه وعموم مواطنيه، ثمن حريته وكرامته وعزته وتوقه المستمر للحرية والاستقلال.
الفلسطيني يعرف أنه حاليا لا يملك القدرة العسكرية، لكنه يعرف أن شعوب العالم بدأت تشمئز من غطرسة إسرائيل وعنصريتها، وأن مسألة عزلها أصبحت قضية وقت، لذلك يتوجه إلى العالم من مجلس الأمن إلى كافة مؤسسات الأمم المتحدة ليطلب حماية يحتاجها ويستحقها من غطرسة القوة والعنصرية المتوحشة، دون أن يتخلى عن مقاومته بكل السبل المتاحة والامكانات البسيطة وأهمها الصمود على الأرض والصبر والتحمل.
الفلسطيني ينحني للمقاومة، والمقاومين، لكنه أيضا يرفض المتاجرة بدم الشهداء وتجيير عذاباته لسياسات غير وطنية لا تتفهم ظروفه ولا تفكر إلا بمصالحها، وبدل التوحد في مواجهة العدو وغطرسته، توزع الاتهامات بالخيانة والتخاذل على الجميع، وكأنها هي من صنعت المقاومة وتصونها، وليس الشعب الذي ضحى على مدار سنوات الصراع الطويل بالغالي والنفيس، وأولها أرواح أبنائه.
الفلسطيني، العربي الولاء والانتماء، الذي لا يعرف الطائفية، يواجه إسرائيل، ويراقب بأسى الحريق الذي يحيط به ويحرف أبناء الأمة العربية عن استحقاق مواجهة التناقض الأساسي والرئيسي، المتمثل في إسرائيل المتوحشة، ويتطلع إلى يوم تنطفئ فيه نيران الطائفية البغيضة ليتفرغ الجميع إلى وأد الأسطورة التي يعيشها جنديّ الخوذة والسلاح المتعطش للدماء اعتقادا مخادعا لذاته أن هذا هو وسيلته لحماية وجوده وأمنه. ولكن جندي الخوذة لن ينتصر وسيواصل العيش في خوفه.