التغيير يبدأ من هنا ، من فلسطين - حماده فراعنه
ليست تصريحات وزير التعليم يشاي بيرون ، حول إسرائيل الكاملة مع نابلس والخليل ، وليست وسائل الضم وأدوات التوسع وعمليات التهويد والأسرلة للقدس وللغور وقلب الضفة الفلسطينية ، مجرد تهويشات إنتخابية مقطوعة الصلة بما قبلها ، وما بعدها ، فالمشروع الإستعماري التوسعي الصهيوني اليهودي الإسرائيلي ، يسير وفق خطة التدرج والمراحل لتنفيذ كامل برنامجه ، على كامل أرض فلسطين ، وهو السائد والقوي والمتمكن .
فقد رسم قرار التقسيم 54 بالمائة من خارطة فلسطين لإسرائيل ، عام 1947 ، ولكنهم إستولوا على 78 بالمائة من وطن الفلسطينيين عام 1948 ، وفي عام 1967 إحتلوا كل فلسطين ، وفي 30 حزيران 1980 ، قررت الكنيست ضم مدينة القدس إلى خارطة إسرائيل ، وغدت عاصمتهم الموحدة إلى الأبد ، وها هم يعملون حثيثاً على تدمير حياة الفلسطينيين ، في مناطق 48 في عكا والنقب وبعض مناطق الجليل ، كما يفعلون في القدس والغور وقلب الضفة الفلسطينية في مناطق 67 ، غير أبهين لقرارات الأمم المتحدة ، والقانون الدولي الذي لا يجيز ضم أراضي الغير بالقوة ، ولا يجيز تغيير المعالم ، وتغيير السكان ، ومع ذلك يفعلون الموبقات والمحرمات بلا أي وازع من سلطة قرار أو قوة أخلاق ، وهذا يعود أولاً وأخراً وعاشراً للضعف والأستكانة الفلسطينية ، ولا يعود للإستكانة العربية أو لضعف التضامن الدولي .
لقد إنطلقت حركة فتح وجبهة التحرير الفلسطينية وشباب الثأر في ظل الفقر والتشرد الفلسطيني ، بل ورداً عليه ، وفي ظل العداء الرسمي العربي للهوية الفلسطينية ، وضد أي فعل تنظيمي فلسطيني ، ومع ذلك وقف الفلسطينييون على أرجلهم وإنتزعوا هويتهم ، والإعتراف بحق التمثيل المستقل لهم ، وفرضوا حضورهم ومنظمتهم وقيادتهم الموحدة ، والأقرار بوجودهم ، كشعب وتمثيل مستقل وحقوق ، من العرب بقرار قمتي الجزائر والرباط ، ومن العدو الإسرائيلي ومعهم الأميركيين بإتفاق أوسلو ، ومن المجتمع الدولي بقرار الجمعية العامة بقبول فلسطين دولة مراقباً .
إذن الخطوة الأولى تبدأ من الفلسطيني نفسه ، وهو صاحب الفعل ، والحق ، وصاحب المبادرة التي لن تأتي من أحد ، لا من الشقيق ولا من الصديق ، وأي ضعف في الأداء ، وفي التحصيل ، وفي تظهير المشهد يعود إلى قرار الفلسطيني نفسه ، إلى ضعفه ، أو إلى صلابة موقفه ، إلى رضوخه للواقع القائم ، أو إلى عناده ضده على طريق تغييره .
واليوم الحضور الفلسطيني ، أقوى مما كان عليه أيام الشهداء أبو عمار وأبو جهاد وأبو إياد حينما بادروا للتكوين ، ووضع أرجلهم على طريق النضال في الخمسينيات وبداية الستينيات ، وكانت الأحزاب الخمسة الإخوان المسلمين ، وحركة القوميين العرب ، والبعثيون ، والشيوعيون ، وحزب التحرير الإسلامي أقوى منهم في ذلك الوقت الصعب ، حينما قاموا بحركتهم ومبادرتهم والخطوات الأولى نحو ثورتهم ، ونجح أبو عمار ورفاقه ، وأخفق هؤلاء في برنامجهم الفلسطيني ضد العدو القومي الواحد ، بينما حقق الفلسطيني إنجازات ملموسة بفعل نضاله ، المتعدد الأشكال والوسائل والمواقع ، وفي المرحلتين :
الأولى : من خارج الوطن ، بقيادة فصائل منظمة التحرير ، منذ معركة الكرامة أذار 1968 وإنتهاء بالإجتياح الإسرائيلي إلى لبنان وحصار بيروت ، وقد حقق الفلسطيني خلالها ، إستعادة الهوية ، والتمثيل المستقل ، والحضور الدولي .
والثانية : خلال مرحلتي 1- الإنتفاضة الأولى عام 1987 ، وحصيلتها إتفاق أوسلو والإقرار الإسرائيلي بالعناوين الثلاثة بالشعب وبالمنظمة وبالحقوق ، وبالإنسحاب التدريجي متعدد المراحل ، من المدن ، وعودة ثلاثمائة الف فلسطيني إلى الوطن ، و2- الإنتفاضة المسلحة عام 2000 والإنسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة ، وإزالة قواعد جيش الإحتلال ، وفكفكة المستوطنات .
الإنقلاب والإنقسام وغياب الوحدة ، تركوا بصماتهم قوية على سائر المشهد الفلسطيني ، وعلى الرغم من الإنتصارات السياسية والمكاسب القانونية التي حققها الشعب الفلسطيني ، في ظل الإنقسام ممثلة بقبول المجلس الوطني الفلسطيني عضواً عاملاً كامل العضوية في الإتحاد البرلماني الدولي ، وعضوية فلسطين لدى اليونسكو في 31/10/2011 ، وعضوية فلسطين دولة مراقباً لدى الأمم المتحدة في 29/11/2012 ، إلا أن الإنقسام ترك بصماته القوية في إبقاء الوضع الفلسطيني برمته ضعيفاً ممزقاً يفتقد للمبادرة الكفاحية على الأرض ، في مواجهة الإحتلال ، ومشاريعه التوسعية ، في التهويد والأسرلة للقدس وللغور ، وتوسيع الإستيطان في الضفة الفلسطينية .
التقييم الفلسطيني ، للأحداث والوقائع ، والتدقيق في معطيات المشهد الفلسطيني الإسرائيلي ، يجب أن يقوى ويكبر ، لا أن يبقى الفلسطيني خداً يستقبل اللطم والصفعات ، فأداة التقييم ، ووضع التصورات ، ونحت البرامج العملية الواقعية المستندة لرؤية البرنامج الوطني الديمقراطي الفلسطيني ، في مواجهة المشروع الإستعماري التوسعي العنصري الإسرائيلي ، ضرورة ، وأداة ، ووسيلة لتحقيق الهدف .
لقد مزقت إسرائيل ، خارطة فلسطين ، أمنياً وجغرافياً وسكانياً ، بين مناطق 48 المفصولة عن مناطق 67 ، والقطاع مقطوع عن الضفة ، والضفة لا صلة لها بما يجري في القدس ، والقدس يتم تهويدها وأسرلتها بقوة ويومياً ، والضفة يتم تقطيع صلاتها ومنع التحرك على أرضها بالحواجز ، فماذا نحن فاعلون ؟؟ .
كيف يمكن وضع البرامج الموحدة ما بين 48 وبين 67 ، لنصف الشعب الفلسطيني داخل الوطن ، مع نصفه الأخر خارج الوطن ، للفلسطينيين وعلى الفلسطينيين تقسيمات ، ولكن معاناتهم واحدة وسببها واحد هو المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي الذي يحتل أرضهم ، ويصادر حقوقهم ، وينتهك كرامتهم ، ولذلك يجب أن يصب عملهم في مجرى واحد وعلى أساس كلمتين تختصر كل الهدف هما : العودة والإستقلال ، 1- العودة للاجئين والنازحين وإستعادة ممتلكاتهم في اللد ويافا وحيفا وعكا وصفد وبئر السبع وفق القرار 194 ، 2- الحرية والإستقلال للمقيمين وفق القرار 181 ، نصف الشعب اللاجئ يتطلع إلى العودة وإستعادة ممتلكاته المنهوبة المسروقة ، ونصف الشعب الذي بقي على أرض الوطن يتطلع للتخلص من العنصرية في مناطق 48 ، والإحتلال العسكري في مناطق 67 .
ولهذا على الشعب العربي الفلسطيني أن يعمل لوضع الإسرائيلي أمام خيار واحد من إثنين ، إما تقاسم الأرض بالدولتين وفق قرار التقسيم 181 ، أو تقاسم السلطة في دولة واحدة على كامل أرض فلسطين ، دولة ديمقراطية ، ثنائية القومية متعددة الديانات ، تحتكم لنتائج صناديق الإقتراع من الشعبين وللشعبين ، ولا طريق ثالثاً سوى مواصلة المعاناة والدم والقتل والتصادم ، وهو طريق تم إختباره خلال السنين الماضية ، وفشل .
h.faraneh@yahoo.com