ثوار الانترنت وفضائيات المخاتلة
كثيرون باتوا هم ثوار "الانترنت" هذه الايام التي تشتد فيها صراعات الفتنة، ولأنه ما من شيء اسهل من الكلام، خاصة ذاك الذي يرمى على عواهنه، اي الذي يلقى بلا تفكير ولا روية، ودونما احترام لدور الكلمة ومسؤولية الموقف الاخلاقي والوطني وحتى المعرفي، بعيدا عن خفة التحليل السياسي وسطحيته وبعيدا عن اعتماد الشائعات مصدرا للرؤية والتوصيف، هذا الكلام الذي ينطوي غالبا على ما يثير الحواس فلا يخاطب العقل ولا حتى الضمير، وهذا ما يطرب الاذان احيانا فيجعل ذاك الكلام ممكنا بل واوسع انتشارا ولأن عالم " النت " لايبحث عن شيء اكثر من بحثه عن الاثارة والكلام الرخيص والعدمي، الذي لا يسعى لغير الحرائق والتمزيق والفرقة ..!!
وثوار الانترنت مثلهم مثل ابطال أفلام "الآكشن" هؤلاء الخرافيون الذين يجترحون المستحيل ويتحدون ابسط واعقد واوضح قوانين الفيزياء والطبيعة، ولكن فقط بالحيل والخدع السينمائية التي اعادت الديناصورات الى الحياة وجعلت رجالا ونساء يطيرون واخرين يشتعلون بالنيران ولا يحترقون وحتى منهم من يعيد الى الحياة ميتا قد شبع موتا ...!!
ثوار "الانترنت" مثل هؤلاء على نحو ما يريدون من تسطير نزالات وبطولات بخدع وحيل واحابيل الخطاب "الثورجي" وشعاراته التي طالما اسقطها الواقع بحقائقه ومعطياته وتحولاته التي باتت عنيفة ودراماتيكية وخاصة في السنوات العشرين الماضية، لكن هؤلاء "الثوار" من اصحاب بعض المواقع الالكترونية وحتى بعض صفحات "الفيس بوك" يعرفون ان المال السياسي والمخابراتي لا يكون ممكنا في حساباتهم اذا ما اشتبكوا مع الواقع، بالواقعية النضالية التي تتعاطى معه دون ان تخضع له من اجل تغييره خطوة اثر خطوة، لا دفعة واحدة، كما تشتهي مخيلات وشعوذات العصا السحرية، هذه العصا التي هي عند هؤلاء " الثوار" شائعات واقاويل وتسريبات تصنعها دوائر المخابرات واجهزتها .
ومثل هؤلاء ايضا بعض المذيعين والمذيعات في بعض الفضائيات العربية الذين يتناسون مهنيتهم ووظيفتهم فيقدمون انفسهم في البرامج الحوارية كمسؤولين حزبيين، وكمثل خصوم ومنافسين بل ان بعضهم يتوهم بسؤال فج لا علاقة له بالاستقصاء السياسي الباحث عن موقف محدد، بقدر ما له علاقة بقلة الادب من جهة، وبالغل على اصحاب المشروع الوطني وتمسكهم بهذا المشروع من جهة اخرى، هؤلاء هم ثوار الشاشات الالكترونية والفضائية، وبسبب هؤلاء ولاسباب اخرى ايضا صار لدى الامة "داعش والغبراء" وحروب الطوائف التي ما عادت تنتج غير الامراء والخلفاء الذين لديهم الكثير من صفحات الفيس بوك ويغردون على التويتر صبح مساء ...!!!
هذه هي فاجعة الامة في هذه المرحلة ونعرف ان الهجوم على مشروعنا الوطني انما هو هجوم يستهدف القرار الوطني الفلسطيني المستقل ومن خلال التشكيك برموز هذا المشروع وقيادته ولطالما كانت المعركة ضد الحركة الوطنية الفلسطينية هي معركة ضد القرار الوطني المستقل، لكن لطالما ايضا فشلت هذه المعركة في تحقيق هدفها، لأن قرارا صنعناه بالدم والتضحيات لايمكن ان يسقط ولأنه يظل دائما ضمانة تقدم مسيرتنا الحرة نحو تحقيق كامل اهدافنا العادلة وانتزاع حقوق شعبنا المشروعة في الحرية والسيادة والاستقلال.
رئيس تحرير الحياة الجديدة