محارق الأطفال- حنان باكير
أعرف أنها ليست تغريدة صباحية، لكنها تشبه صباحات الوطن الحمراء، " أميرة"، طفلة ولدت في غزة.
لم تكن قد تجاوزت العشرين يوما، يوم داهم العسكر بيتها، أطلقوا عليها رصاصة في الرأس، فكتبت لها:
جاءت الأميرة، دوّنتا في سجل الحضور الوجودي ومضت على عجل، فقط، قالت انها ستعود يوما، عشرون يوما غير كافية للتمييز بين رحم الأم ورحم الأرض، كلاهما يمنح الدفء والحنان.
قضيت أيتها الأميرة النائمة قبل أن نحكي لك بعضا من حكايانا.
وإليك بعضها: كان يا ما كان في قديم الزمان، أن هبطت سفينة فضائية من كوكب آخر بكل أشكال مخلوقاته، ومن بين ركابها رئيسة وزراء أذكر أن اسمها كان غولدا مائير. حطت في حديقة بيتك وعاثت فيها قتلا وخرابا، فهربت الفراشات. بعضهم كان يقول انها كانت امرأة، والبعض الآخر يقول انها كانت رجلا. لكن أحد الصحفيين الظرفاء من أتباعها، علّق وحسم الأمر حين نزلت الرئيسة من الطائرة، أثناء هبوب عاصفة طيّرت فستانها، فقال: شكرا لله تأكدنا أنها امرأة.
كان لغولدا مائير لازمة ترددها كما في اسطوانة مشروخة وهي:" حين أسمع بولادة طفل فلسطيني، لا أستطيع النوم لثلاثة أيام"! لكنك يا أميرة أتيت مرة ثانية لتسرقي النوم من عينيها حتى في موتها، بعد أن قتلتك عام 1948!
وكان هناك أيضا وزير حرب، اسمه أبو إيبان، خاض حربا ثلاثية عام 1956 مع فرنسا وإنكلترا، فما كان منه الاّ أن سارع واحتلّ غزة حيث تسكنين. مارس مهنته التي ورثها ولا يجيد غيرها: القتل ثم القتل والتلذذ بالقتل! رآك تلعبين مع محمد وسائر أقرانك الذين بكروا في الشهادة، لم يتحمل براءة نظراتكم فانسحب. وفي عام الانتفاضة الأولى صرّح:" أنا المسؤول عن هذه الانتفاضة، فهؤلاء الأطفال الذين لم أقتلهم عام 1956 هم الذين يقودون الإنتفاضة اليوم"! يومها أباد بعضكم، وألقى ببعضكم الآخر بين جدران ضيقة لا تشبه أرحام أمهاتكم، التي لم يطل بكم عهد مغادرتها.
اليوم وفي محرقة غزة ذهب جنوده إلى بيتك، ليجدك تخرجين من مطهر المحرقة بولادة جديدة وتحاصرينه بنظراتك البريئة، لم يحتملها، فأطفأ نور عينيك برصاصة في الرأس، وهو يعلم أنك ستولدين مرة ثالثة ورابعة وخامسة ومع كل الأجيال، وسوف يقتلك مرة ثالثة ورابعة وخامسة، هو متربص بسكينه الحمراء، لكل أميرة تولد ولكل محمد ولكل وائل يولد ليدوّن اسمه في سجل الحضور الفلسطيني.
قتلوك "يا عار بنادقهم" التي ترعبها نظرة طفل، وقوة لا تقهر، لكنها، تقهر امام نظرات أطفال لم ينعموا بطفولة أو براءة، وترتعد لقسمات غضب طفولي.
أيتها الأميرة النائمة، رفقاؤك ينتظرونك للعبة "عسكر وحرامية"، ونحن ننتظرك في موسم قطاف ثمرات زيتون جرفت أشجارها العتيقة، لكن جذورها تضرب عميقا في الأرض. ننتظرك مع موسم الياسمين لا شقائق النعمان.
يا أمها يا أم محمد وكل البراعم في محرقة غزة، نعلم أن للغياب طعم الحنظل، ولن تستطيع كل الكلمات المقدسة وغير المقدسة من هدهدة أحزانكم، ولا نملك إلا أن نسجد لآلامكم، بعد أن سجدنا لآلام ضحيتهم الأولى، ففي كل يوم يسوع يصلب، ويأبى الا أن يقوم في اليوم الثالث عصيّا على الموت.