في هذا الخضم العسير- عدلي صادق
ما زال المحتلون يقصفون بهمجية ويحاولون التوغل في غزة. في موازاة ذلك، باتت فجيعة غزة، في قلب سوق السجالات الإقليمية، بينما شعبنا في غزة ينزف وما زال تحت القصف الإجرامي. ومع تفهمنا لموقف "حماس" من المبادرة المصرية؛ كنا نتمنى أن يكون تعاطي المقاومة معها، متخففاً من اعتبارات أخرى كالموقف الذي نشأ بسببه الجفاء المصري لحركة "حماس" بعد إطاحة حكم "الإخوان". نتفهم كذلك أن المبادرة المصرية، صيغت بعد أن استمع المصريون لمطالب الطرف الذي يقترف جرائم الحرب. فهذا أراد أشياء كثيرة، يصعب تلبيتها، فجاءت صياغة المبادرة المصرية، لتعالج أمر الحريق، على أن يُصار الى الانتقال الى المطالب الفلسطينية المحقة، عبر مفاوضات غير مباشرة. هنا، ومع الأخذ بعين الاعتبار العوامل الموضوعية والذاتية، في الإقليم العربي وعلى الصعيد الفلسطيني؛ كان يمكن لحركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي" التعاطي مع المبادرة المصرية بتروٍ، بحيث يكون البناء عليها وفق نقاط محددة، كأن يحدد الطرف الفلسطيني سقفاً زمنياً نحكم بعده على شروط التهدئة وما اذا كانت صفرية وخالية من التدابير التي تلبي الحاجة الفلسطينية الى رفع الحصار وإطلاق سراح المعتقلين أو الذين أعيد اعتقالهم، واعتماد برنامج إعادة الإعمار وبناء البيوت التي تهدمت بفعل القصف والعربدة الإسرائيلية، وتعويض ذوي الضحايا المدنيين الذين قتلوا ظلماً. هنا، نكون في منأى عن تحميل غزة عبء السجال الدائر في المنطقة حول مسائل أخرى تتعلق بمصر وبالحكم فيها وبليبيا وأحداثها!
لسنا في وضع يسمح لنا بتأجيج الخصومة مع أي طرف إقليمي. ولدى الأطراف كلها، ما يمكن الاستفادة منه، دون أن نخاصم أياً منها. فلن نربح شيئاً من خلال التلميح أو التصريح بأننا نعوّل على طرف دون سواه، أو اننا ننتقد طرفاً دون سواه. إن مثل هذا التلميح، في ظروفنا العامة، ناهيك عن ظرفنا الفلسطيني الدامي الآن، يربكنا ويعطل محاولاتنا إنصاف الدم الذي يسفك. وليس أدل على الحرج الذي ينشأ في حال مسايرة السجال الدائر، من تعمد إعلام قطر، الترويج لفرضيات ظنية من اختلاق أوساط اعلامية إسرائيلية لا نعلم خلفياتها ولا دوافعها، تتهم مصر والإمارات بالضلوع في مؤامرة مع حكومة نتنياهو لشن الحرب على غزة، بينما الإمارات كانت السباقة الى العون والإغاثة، وإرسال مشفى ميداني. فإن شئنا أو أبينا، ما زال مطلوباً من الطيف السياسي الفلسطيني، مقاوماً وغير مقاوم، بحكم الضرورة الجغرافية والسياسية والتاريخية؛ أن يفتح الخطوط مع مصر، وأن يعتمد من خلالها صيغة التهدئة التي يضطرنا اليها الاختلال الهائل في موازين القوى، وأية وجهة غير ذلك، من شأنها إطالة أمد الحرب وإطالة أمد المعاناة. ولدينا كفلسطينيين مطالب محقة، لا ولن ينكرها المصريون وغير المصريين. أما أن تأتي صيغة شروط وقف النار، من قطر وتركيا دون مصر، وأن تتضمن بنداً يقول ضرورة فتح معبر رفح على مدار السنة ــ وهو مطلب طبيعي ومحق ــ فإن هذا معناه، بمعايير السيادة عند المصريين، أن أطرافاً أخرى اقليمية، ضالعة في سجال مع الحكم في مصر، تتدخل في شأنها السيادي. عندئذٍ تكون النتائج عكسية، وهي لن تكون كذلك لو لم يكن هناك سجال، أو لو كانت الأطراف الإقليمية مجتمعة، تتعاون لكبح جماح العدوان الهمجي. إننا نواجه خطراً جسيماً، والتعويل يكون دائماً على الأقرب فالأقرب. وحتى في فقه الجهاد نفسه، تقع المسؤولية على الأقرب فالأقرب، بمعنى أن الفقه يأخذ العامل الجغرافي بالأهمية القصوى بحكم الواقع.
نحن في حاجة الى الكثير من الحكمة في هذه الأوقات العسيرة. ففي هذا الخضم، ما زلنا نقول إن الدم الفلسطيني الطاهر ينزف، بينما السجالات تتلوّى!
adlishaban@hotmail.com