العدوان: اخطر الجرائم الدولية - حنّا عيسى
شغلت مشكلة تعريف العدوان بال الشخصيات التاريخية على مدى القرون العديدة. و قد انبثق مقهوم العدوان من أيام روما العريقة. و ينشأ مصطلح العدوان من الكلمة اللاتينية "Aggressio" أي الاعتداء. و في هذا الصدد ينطوي على الأهمية العلمية الكبيرة ما قدمه الدبلوماسي الروسي فالينوفسكي من قبل 210 سنة من التعريف البسيط والواضح لمفهوم الاعتداء, اذ كتب "أن الاعتداء يعرف نفسه بنفسه, فهو عبارة عن اجتياح الجيش لحدود الغير. أما البيانات السياسية والتحركات و الخطوات الودية هي المجاملة الرامية الى اخفاء النوايا الحقيقية فتذهب سدى وعبثاً في الحالة كهذه.
لقد بذلت محاولات عديدة لتعريف العدوان لا سيما في اطار عصبة الامم. غير ان اكثريتها وصلت الى طريق مسدود لدى ايجاد صيغ مناسبة و أخذ مؤلفوها يتكلمون من جديد عن حالة استحالة اعطاء التعريف الدقيق لمفهوم العدوان. ثم أقرت جمعية عصبة الامم تعريفاً لمفهوم العدوان في 27/10/1924م و ورد فيه أن "اللجوء الى الحرب خرق خاص للمواد 12, 13, 15 من نظام عصبة الامم, يعتبر حرباً عدوانية. كما أن كلا من غزو أراضي دولة الغير بالطرق البرية أو الجوية أو اجتياحها براً او قصفها او محاصرة شواطئها يشكل عدواناً".
أما في عام 1928م فقد تم في باريس توقيع المعاهدة الدولية المتعددة الاطراف المعروفة بأسم "معاهدة بريان – كيلوغ" – و التي نصت على تخلي الدول عن الحرب كأداة للسياسة الوطنية. اما في عام 1945م فقد تم توقيع ميثاق منظمة الامم المتحدة و جاء فيها أن مهمات هذه الهيئة تتمثل في تخليص الأجيال القادمة من ويلات الحرب التي كددت البشرية مرتين في هذا العصر وخلق الظروف المؤاتية لمراعاة العدالة واحترام الالتزامات المترتبة على المعاهدات و غيرها من مصادر القانون الدولي.
و تجدر الاشارة الى أن العدوان لا يمكن نعته بمثابة جريمة دولية بسيطة. و يعتبر العدوان من أخطر الجرائم الدولية نظراً لكون هدفه هو وصلات طبيعية بين الدول. و يعرف نظام المحكمة الدولية في مادته السادسة (أ), العدوان بجريمة ضد السلام بالذات. اما جوهر العدوان فيتلخص في ضم أو اغتصاب أرض الغير و نهب و استبعاد الشعوب الاخرى و ابادة السكان المدنيين بالجملة وابعادهم و تهجيرهم.
ووفقاً لاحكام القانون الدولي المعاصر تعتبر ارض الدولة حرمة لا تمس و يجب أن لا تكون عرضة حتى للاحتلال الحربي المؤقت. و لا يطاق, خاصة, من جهة نظر القانون الدولي, ضم ارض الغير و بسط سلطة دولة اخرى عليها. ان الشعب هو ملك ارضه و صاحب الحق الأعلى في التصرف به.
و يمكن القول بأن اساس تعريف العدوان أقر فقط من قبل الجمعية العامة لمنظمة الامم المتحدة في 14/12/1974. و يتألف التعريف الجديد للعدوان من ثماني مواد تتضمن صياغة اهم علامات العدوان بوصفه الاعتداء المسلح من قبل دولة ما على دولة اخرى. واقر هذا التعريف من جانب اللجنة المختصة للامم المتحدة.
و من المهم القول بان العدوان هو الاعتداء المسلح من قبل دولة ما على دولة اخرى او شعب بهدف اغتصاب الارض و ضمها و القضاء على استقلالها السياسي او نهب الممتلكات العامة او الخاصة او استبعاد مواطني تلك الدولة او قتلهم او استغلالهم او بغيرها من الاهداف المماثلة التي تتنافى مع ميثاق منظمة الامم المتحدة و ترمي الى خرق السلام و أمن الشعوب بغض النظر عما اذا استبق اعلان الحرب شن العدوان, لان الحرب مخظورة في القانون الدولي.
و رغم ان ميثاق الامم المتحدة لم يتضمن في آخر المطاف تعريفاً مفصلاً لمفهوم العدوان يمكن القول بأنه عمم تجربة النضال التاريخية في سبيل صياغة مبدأ تحريم العدوان. و جاء اقرار الميثاق نفسه بمثابة مرحلة توجت عملية حظر العدوان بصفته جريمة دولية. وبموجب ميثاق الامم المتحدة, و بالتالي وفقاً للقانون الدولي المعاصر لا يحق لدولة أو دول ان تستعمل القوة المسلحة ضد دولة اخرى الا في حالتين فقط هما:
اولاً: من خلال المشاركة في تنفيذ الاجراءات بقرار صادر من مجلس الامن بهدف درء الخطر على السلام او ازالته و ضد الاعمال العدوانية او غيرها من انتهاكات السلام "في اطار منظمة الامم المتحدة".
ثانياً: من خلال تحقيق حق الدفاع الفردي او الجماعي عن النفس في حالة التعرض للاعتداء المسلح. و في هذه الحالة يمكن للدولة ان تعمل ضد المعتدي على انفراد او بالتحالف مع دول اخرى.
هذا و يعتبر حظر الدعاية للحرب جزءاً مكوناً للمبدأ المذكور و يمكن اعتباره ايضاً بصفة قاعدة منفردة. و لقد جاء في الاعلان الصادر في عام 1970م انه وفقاً لمقاصد الامم المتحدة و مبادئها يتوجب على الدول ان تمتنع عن نشر الدعاية للحروب العدوانية". و تعني القاعدة المشار اليها ان الدول يجب أن تحوول دون قيام اجهزتها بنشر الدعاية للحرب. فضلاً عن وجوب اتخاذ الاجراءات الكفيلة بمنع نشر الدعاية للحرب في اراضي تلك الدول من قبل اشخاص او منظمات.