هاتفي البومة- رئيس التحرير
حاولت جاهدا ان اتجاهل هاتفي الخليوي الذي بات ومنذ بدء العدوان الاسرائيلي الوحشي على غزة كأنه غراب الشؤم، بل انه أقرب الى البومة بنعيقها الذي يغم القلب ويرمي الروح بالقلق الحرام، فمنذ بدء العدوان وهذا الهاتف لا يستقبل من الرسائل القصيرة بين لحظة واخرى غيررسائل الدم، بأقل قدر من الكلمات وبرقم واحد يشيرالى عدد الضحايا الشهداء الذين لا نعرف اسماءهم حتى الان، اللهم ما عدا أسماء تلك العوائل التي ابيدت عن بكرة ابيها، وعبثا ما أحاول اذ كيف لي ان اتجاهل لحظة الخطر وهي تطرح اسئلتها المصيرية، ثم هناك الأرقام التي لا ينبغي ان نقبلها دالة على اهل لنا كانوا قبل قليل بيننا يتلمسون دروب الحياة بأمل وتطلع.
ما أصعب ان يتحول الناس افرادا وجماعات، بقذائف فاحشة، الى مجرد أرقام في خبر عاجل، ما من بيانات نعي، ولا بيت عزاء، ولا ثمة حكاية تخبرنا على الأقل عن دعائهم الأخير أو احلامهم الأخيرة.
أرقام يكاثرها الصمت والخذلان وموازين القوى الظالمة، وسياسات الانحياز للعدوان، وتكاثرها الفوضى "الخلاقة" بعدميتها، والصراعات الطائفية بظلاميتها ويكاثرها الوهم والمصالح الضيقة ايضا في حسابات الصراعات الاقليمية وتجاذباتها والتي يرى بعض اطرافها ان هذه الأرقام كلما تكاثرت كلما اصبح ممكنا تحقيق ما يريد من مكاسب سياسية وحزبية، لا علاقة لها بفلسطين ولا بعذاباتها ولا بنزيفها الذي بات دافقا وكأنه السيل العرم.
خمسون عاما ويزيد، وفلسطين اكثر نزيفها لصالح أنظمة الخطب البلاغية وصراعاتها الاقليمية، خمسون عاما والدم الفلسطيني لا تريد له هذه الصراعات إلا ان يكون ورقة مساومة بيدها ولصالح انظمتها.
يعرف الفلسطينيون ذلك، لكن بعضهم وفي لحظة الدم، يتيه في مخاتلات الشعار وجمالياته المطلقة، وكمثل طير مذبوح يرقص على جسد اللغة بالجملة الساخنة، لعل سخونة هذه الجملة تعينه على الألم، لكن هذه الجملة لا توقف مذبحة ولا تطفئ محرقة ..!!
وهاتفي ما زال حتى اللحظة هو تلك البومة التي لا تكف عن النعيق الذي بات يقتحم حتى نومي القليل لأصحو فزعا اردد دعاء واحدا: استرها يا رب . واينها تلك الرسائل الجميلة ..؟؟