نصيحة لوجه الله - عدلي صادق
خائن من يثير البلبلة أثناء الحرب. إن هذا مبدأ يحس به الفلسطينيون ويلتزمون به. لكن من لا يحسون به ولا يلتزمون، هم أولئك الذين يتردى سلوكهم أثناء الحرب ويتغالظ. هؤلاء لا ينفعهم الإنكار طالما أن الناس ترى تصرفاتهم بأم العين. والمقاومون الذين يحملون أرواحهم على أكفهم، يقع عليهم عبء ويصيبهم الأذى من أفاعيل المتسلطين على الناس. واجبنا أن نقول للناس في غزة، إن المتغالظين ومستمرئي الاستبداد وقصيري النظر ومن يورطون أنفسهم مع خلق الله؛ ليسوا هم المقاومين. إننا على موقفنا ولن نقبل تحميل المقاتلين أوزار السفهاء. ونقول لمن يتعاطون بلغة حكيمة، كأخينا موسى أبو مرزوق، إن عليكم مسؤولية لا تقل أهمية عن مسؤوليتكم في السياسة، وهي أن تنصحوا جماعتكم وتنبهون من عواقب سوء التصرف مع الناس والتعدي عليها قبل وأثناء وبعد الحرب. إن هذا عيب. لن نصمت طويلاً على تدابير فرض الإقامة الجبرية على الوطنيين بذريعة مخالفتهم لخياراتكم أو لأنهم يتحدثون أو يعترضون على قرارات منكم. أما إطلاق الرصاص على أطراف البعض من الفتحاويين، فلهذا حسابه آجلاً أم عاجلاً، ونعلم أن من يقترفون هذه التعديات، لا علاقة لهم بالعير ولا بالنفير، وليسوا مقاومين، لكنهم من الطفيليين المحسوبين على "حماس" ويحملون رمزياتها ويعربدون باسمها وباسم سلطتها الفعلية على الأرض، مثلما كان هناك طفيليون في كل فصيل وفي كل مرحلة. ربما هناك بعض الممارسات التي تنسب لمستوى أعلى من هؤلاء، من بينها الاستيلاء على شحنات المساعدات الإنسانية من الغذاء والماء والدواء، وأخذها الى مخازن الفصيل، مثلما حدث مع الأخت وفاء النجار قبل أيام قليلة، وتسلمت ثلاث شاحنات باسم جمعية خيرية، فجرى الاستيلاء عليها بقوة السلاح اللامقاوم. لكننا لا نظن أن المستوى السياسي الحمساوي، يرضى أن يبيع محسوبون على "حماس" للمواطن الفلسطيني المضطر للسفر، فرصة الصعود الى الحافلة في المعبر، بمبلغ من 1500 الى 2000 دولار. إن مثل هذا ليس فساداً وحسب، إنه خواء وطني وعفونة مقززة. إن وجود المقاومين، لا يمنح فرصة لأحد بأن يمارس هذه السفالة. وأقول لأخي موسى أبو مرزوق، ولغيره ممن هم في مستوى ثقافته، ويصح توجيه الكلام لإسماعيل هنية وغيره، أنتم تعلمون مغبة خوض الحرب انطلاقاً من حضن شعب يعاف السلطة التي تتولى إدارة عملية المقاومة. فالشعب هو القاعدة الصلبة لكل عمل مقاوم، وإن وقع الشرخ، يقع الفأس في الرأس، ولا ينفعكم الإعجاب من إندونيسيا الى البرازيل!
ليست عادلة ولا حكيمة السلطة التي تمنع شعباً من التعبير عن رأيه في قرارات تتصل بحياته ودمه ومقدراته. يوم قصف صهاريج الوقود المخزّن لصالح شركة الكهرباء، اشتعلت النيران لأربعة أيام. معها، اشتعلت الأسئلة. فطالما كان هناك وقود، لماذا حدث كل هذا التعذيب للناس، بقطع الكهرباء عنهم، قبل شن الحرب الإجرامية على غزة؟ مثل هذا السؤال طبيعي، وليس ملغماً مثلما هو السؤال: لماذا لم تُبن للناس المدنيين ملاجئ بالتزامن مع حفر وبناء وتسقيف الأنفاق؟. إن أفدح ما تخطئ به قوة متنفذة تتحكم في مصير شعب، هو ألا تكترث بمصيره وآرائه، وألا تكترث برفاق الخندق الواحد وكراماتهم. سوء التصرف مشهود، بل إنه سجل رعونة غير مسبوقة. فلا يوجد أي اعتبار سياسي، يبرر شكل التصرف الذي حدث، مع مجموعة عربية وصلت الى قطاع غزة للإغاثة والمساعدة، ومكثت مع أهلنا تحت القصف وقدمت بسخاء. لا نرغب في سرد أمثلة وتفصيلات وعناوين. يكفي أن المعنيين بالكلام من الطرفين - المتغالظ ومن وقع عليه التغالظ والابتزاز - يعلمون التفصيلات. نحن الآن في قلب الكارثة، ولن تخفف من حقائق الكارثة، كل المطولات النظرية عن الطير الأبابيل. نعتز بالمقاومين، لكن أداءهم في الميدان لا يكفي لتسجيل الاعتزاز بالمنظومة كلها، سلطة ومقاومة. هناك طفيليون مسيئون احذروهم وارحموا انفسكم وارحمونا. القراءة الميدانية للواقع اليوم، تقول إن العدو أفقدنا بالتوغل، القدرة على مفاجأته من الخلف باستخدام الأنفاق. إن استمرت الحرب - لا سمح الله - سيتضاءل القتال ويزداد القتل. وهذا هو ما يريده العدو. المصريون يهمسون في الآذان: يوم أن أطلقنا مبادرتنا، كان عدد الشهداء مئة، وعندما وصلت الوفود لمناقشة الأمر، كان العدد ارتفع الى ألف وثمانمئة. كان التكتيك السياسي الأصح، هو أن نقبل ثم نطالب بالتعديل في ظل تهدئة، لا سيما أن معسكر الطنين، صاحب الوعود القصوى، لم يبرح مربع التأسي على حالنا. نحن لا نلعب الدومينو. الوقت من دم، وهو أغلى من الوقت الذي من ذهب. إن بقاء كل فلسطيني على قيد الحياة، هو لبنة في هرم الانتصار الحقيقي لا في هرم الانتصار من كلام، وهذه نصيحة لوجه الله!