المطلوب خلال هدنة الــ (72) ساعة- منيب المصري
أوافق مع الآراء القائلة بأن البلدان العربية في معظمها منشغلة، ولو جزئيا، عما يدور في فلسطين، واتفق أيضا على أن الدور المطلوب من هذه البلدان هو أكبر وأكثر مما هو عليه الآن، على الصعيدين الرسمي والشعبي، رغم أن الموقف الشعبي كان متقدما وبشكل ملحوظ على الموقف الرسمي.
العدوان الهمجي والصلف الاسرائيلي، يواجَه بغياب الصرامة في التعامل مع حكومة الاحتلال التي تتصرف ومنذ انشائها على أنها دولة فوق القانون، وخارج اطار الشرعية الدولية، ودون أن تتعرض لأي عقوبة، مدركة بأن أكثر ما يمكن فعله بحقها هو نقدها، وبطريقة عادة ما تُحمّل المجني عليه المسؤولية أيضا، وكأن الأمر بين دولتين، وليس بين شعب يقع تحت الاحتلال ودولة تحتله وتعتدي عليه.
لذلك، فان المطلوب الآن من كل الدول العربية، وبخاصة الدول المقررة، والتي لها علاقة مباشرة باستقرار المنطقة، مثل جمهورية مصر العربية، والمملكة الأردنية الهاشمية، والمملكة العربية السعودية، ودول الخليج العربي، الذين نحترم ونقدر دورهم المهم والحيوي، أن تعمل وبشكل أكثر فعالية، من خلال استغلال مكامن قوتها سواء المادية، أو الجيو- سياسية، لدفع الأمور باتجاه؛ أولا لجم حكومة الاحتلال، وتبيان الأثر السلبي للسياسات الأميركية الحالية في المنطقة ثانيا، والضغط باتجاه تصحيح الموقف الأميركي ودول أخرى في تعاملها مع اسرائيل ثالثا.
المطلوب الآن، هو تفعيل الدور العربي الرسمي، سواء عبر جامعة الدول العربية، و/أو بالتنسيق الثنائي والمتعدد بين الدول المعنية والقادرة على الفعل، في سبيل استثمار فترة الهدنة التي أعلنت أمس لمدة (72) ساعة، على أن تبدأ هذه الدول تحركاتها الجدية والفعلية، لحث العالم، وبخاصة الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي، للضغط على اسرائيل من أجل وقف عدوانها الهمجي، والقبول بمطالب الوفد الفلسطيني الموحد، والتي هي مطالب كل الشعب الفلسطيني على اختلاف توجهاته ومكوناته، تحضيرا للبدء وبشكل جدي، وتحت رعاية دولية، دون اغفال أهمية الدور الأميركي في هذا الأمر، الدخول في مفاوضات مبنية على أساس الشرعة الدولية، وقرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، على أن تكون هذه المفاوضات محكومة بجدول زمني محدد، وقائمة على أساس انهاء الاحتلال، واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود الرابع من حزيران للعام 1967، بعاصمتها القدس الشرقية، وحل قضية اللاجئين وفق القرار الأممي رقم 194.
اننا نؤمن بأن الظرف الحالي مهيأ وبشكل كبير، وعلينا اغتنام هذه الفرصة، من أجل جلب اسرائيل للاعتراف بقرارات الشرعية الدولية، وهذا هو المدخل الوحيد للأمن والاستقرار في المنطقة، فلا يمكن أن تستمر اسرائيل بكذبها المكشوف للجميع، بأنها تسعى الى السلام كلاما، وتمارس القتل والدمار والاحتلال فعلا، وان هذه الأفعال والممارسات لن تزيد الشعب الفلسطيني الا قوة واصرارا على الوصول الى حقه في تقرير مصيره، فلن يقبل هذا الشعب وبعد كل التضحيات التي قدمها ولا يزال، وبعد كل الدمار والقتل الممنهج الذي يمارس على قطاع غزة والضفة، أن يعود الى الوضع الذي كان سائدا قبل العدوان الأخير.
حتما، الشعب الفلسطيني الآن، وأكثر من أي وقت مضى، ليس لديه شيء ليخسره سوى تخلصه من الاحتلال، وقد أثبتت مقاومته، التي نحييها، بأنها ندا قويا أمام جيش يعد من أعتى جيوش العالم، حيث استطاعت المقاومة التي يحتضنها الكل الفلسطيني ليس فقط خلق حالة من توازن الرعب مع دولة الاحتلال، بل أيضا خلق حالة من التناغم الفلسطيني الداخلي تمثل في توحد الكل الفلسطيني على مجموعة من المطالب يحملها وفد فلسطيني موحد برسالته وهدفه.
الرسالة السياسية، وان جاز التعبير «العسكرية»، التي خرج بها الشعب الفلسطيني، لا بد ومن المفترض أن تلقى صدى على الأقل عربيا لاستثمارها والبناء عليها، والخروج من حالة الضياع التي تعتري وضعنا العربي في التعامل مع المستجدات التي أوجدتها هذه الرسالة، وأقول ذلك لأن الوقت يداهمنا، والفشل في الموافقة على المطالب الفلسطينية الذي يحملها الوفد الموحد، خلال الـــ (72) ساعة وهي مدة الهدنة، قد يقلب وجه المنطقة رأسا على عقب، وسيكون أول المتضررين ليس الفلسطينيين، فليس لديهم شيء ليخسروه، بل من تباطأ في تحمل مسؤولياته، وهنا لا أعفي الكتاب والمفكرين، والاعلام العربي أيضا من مسؤولياتهم تجاه ما يحدث، لأن الواجب يحتم عليهم أن يتحملوا هذه المسؤولية بالتوازي مع المواقف الرسمية لحكوماتهم.
ستتحقق المطالب التي يحملها الوفد الفلسطيني الموحد في حال أن دعمتها الدول العربية، فهي تمتلك الكثير من مكامن القوة تجعلها قادرة على الضغط، بشكل مباشر أو غير مباشر، في اتجاه اجبار اسرائيل على القبول بها كمقدمة لانهاء الاحتلال، وعدا ذلك نحن كفلسطينيين قد حسمنا أمرنا بالاستمرار في تعزيز مقاومتنا على كافة الأصعدة، ووفق ما كفلته لنا الشرعية الدولية.
لا أناشد الدول العربية، بل اطلب منها، وحرصا على الأمن القومي لكل دولة على حدة، وعلى الأمن القومي العربي في المجموع، أن تأخذ دورها وتستغل الساعات المقبلة لكتابة تاريخ جديد للمنطقة والاقليم، تكون الكلمة الأولى فيه هي اقامة الدولة الفلسطينية، لأن العبارة البديلة في هذا التاريخ الجديد للمنطقة ستبدأ بـ «أكلت يوم أكل الثور الأبيض»، وهذا ما لا نريده ولا نتمناه.
لقد أعطينا الكثير، وقبلنا فقط بـــ 22%، من فلسطين التاريخية من أجل السلام، وعملت القيادة الفلسطينية كل ما تستطيع من أجل هذا، وقدمنا وعلى مدار الصراع الفلسطيني الاسرائيلي، الغالي والنفيس ولا نزال على استعداد لتقديم المزيد ففلسطين تستحق، ووفاء لدماء شهداء وجرحى القضية الفلسطينية التي لا زالت تنزف، وعهدا من شعبنا لأسراه البواسل في سجون الاحتلال، بأنه لن يقبل بأقل من حريته وكرامته ودولته الحرة المستقلة وكاملة السيادة كما أرادها من ضحى ولا يزال، وعلى رأسهم شهيدنا الخالد الرمز ياسر عرفات، وشهيدنا الشيخ أحمد ياسين.