امطار ظ    60 عاما على انطلاقة الثورة الفلسطينية وحركة "فتح"    الاحتلال يهدم منشأة تجارية ومنزلين ويجرف اشجار زيتون في حزما وبيت حنينا    "التربية": 12,820 طالبا استُشهدوا و20,702 أصيبوا منذ بداية العدوان    الاحتلال يجبر الجرحى والمرضى على إخلاء المستشفى الاندونيسي شمال قطاع غزة    إصابة 3 مواطنين واعتقال رابع إثر اقتحام قوات الاحتلال مدينة نابلس ومخيم بلاطة    الأمم المتحدة تطلب رأي "العدل الدولية" في التزامات إسرائيل في فلسطين    عدوان اسرائيلي على مخيم طولكرم: شهيد وتدمير كبير في البنية التحتية وممتلكات المواطنين    الإعلان عن مراسم وداع وتشييع القائد الوطني المناضل الكبير اللواء فؤاد الشوبكي    "مركزية فتح": نجدد ثقتنا بالأجهزة الأمنية الفلسطينية ونقف معها في المهمات الوطنية التي تقوم بها    17 شهيدا في قصف الاحتلال مركزي إيواء ومجموعة مواطنين في غزة    الرئيس ينعى المناضل الوطني الكبير اللواء فؤاد الشوبكي    سلطة النقد: جهة مشبوهة تنفذ سطوا على أحد فروع البنوك في قطاع غزة    و3 إصابات بجروح خطيرة في قصف الاحتلال مركبة بمخيم طولكرم    الرئيس: حصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة سيسهم في بقاء الأمل بمستقبل أفضل لشعبنا والمنطقة  

الرئيس: حصول فلسطين على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة سيسهم في بقاء الأمل بمستقبل أفضل لشعبنا والمنطقة

الآن

درس الركام والسياسة - عدلي صادق

بعد كل كارثة، في قطاع غزة، وهو مسقط رأسي؛ يستأنف الناس حياتهم، فينشئون أنماط عيش جديدة، ويعيدون تدوير مواد الركام والنفايات الصلبة. في أمسهم القريب، استكملوا تفتيت حجارة البيوت التي قصفها المحتلون ودمروها، لغرض استخدام حجارتها، كـ "حصمة" لازمة لخلطات الباطون الجديدة، ويكون البناء. قبلها، أيام تقطيع أوصال قطاع غزة، واحتباس الناس عند طرفين متباعدين، يقع بينهما حاجز القرارة في دير البلح، وهو ما أطلقنا عليه عند الطرف الشمالي، اسم عائلة "أبو هولي" المناضلة، وعند الطرف الشمالي اسم "محفوظة" الذميمة التي باعت بيتها للمحتلين؛ كان الناس والسيارات، يتكدسون لساعات طويلة، عند طرفي الحاجز، في انتظار انفتاح للإغلاق السافل. هناك، تنشأ سوق متحركة على الجانبين. فتية يبيعون الشاي والسجائر وشطائر الطعام، وكبار يأتون بعربات الخضار، وربما تجد من يبيع أقراص الموسيقى، فيسترخي الذين تعطلت حركتهم ويحسون أن المشهد، على بؤسه، نابض ومسكون بعناصر الحياة. ولما فَرضَ علينا الأوغاد المحتلون، ألا تمر سيارة يقودها شخص واحد، خوفاً من العمليات الاستشهادية بسيارة مفخخة يقودها فدائي؛ نشأ نوع من العمل العجيب، للفتية الفقراء، الذين وقفوا يعرضون مرافقة السائق، لكي "يستقيم" مروره. كنا نسميهم "قَلّيطة" ومفردها "قلّيط" أي عنصر بشري يوفر شرط مرور السيارة، مقابل مستديرة صغيرة واحدة من عملة الاحتلال، تساعد على شراء خمسة أرغفة خبز. ربما كان الموظف براتب ضئيل، يحسد "القَليط" على دخله من رحلات قصيرة يومية، جيئة وذهاباً بسيارات متنوعة، وكانت حركة المرور تتنفس وإن بصعوبة. في طفولتنا، كان مقذوف الرصاصة، أساسياً لصنع واحدة من ألعابنا. يُفرّغ من حشوته، ويُحشر في ثقب بكرة الخياطة الخشبية، ثم يُملأ، عند اللعب، بمادة من مخلفات الحرب، هي ما نسميه عسكرياً "البارود السلطاني الأسود" الذي لا مجال هنا، للتوسع في شرحه، فهو الذي يُحشى به وعاء الرصاصة لدفع مقذوفها. وهو أليف عندنا وربما سموه في الكتب العسكرية العربية "السلطاني" لضرورة إقران عناصر القوة بأسماء السلاطين الأتراك والعرب. وفي الحقيقة، كان العرب هم الذين اكتشفوه، لكنهم لم يكونوا من السلاطين. فقد كانوا هم أنفسهم الذين فجروا ثورة الزنج المغامرين في البصرة (868م). كنا، بعد حشو المقذوف الذي تؤطره البكرة، ندس مسماراً بداخله، ونقلب اللعبة بسرعة، ونضرب على أرضية صلبة، فيُسمع دوي يشبه صوت الرصاصة، ويتمثل الطفل إحساساً بالقوة. كان من بين "جماليات" المجزرة التي اقترفها المجرمون في بيتنا بعد ان اقتحموه في عام 1956 أن ملأ الأطفال برميلاً خشبياً كبيراً، من ذلك الذي كان يستورد فيه الغزيون من تركيا، السمك المملح، أو "الفسيخ" المحبب. كانت ألعاب الأطفال، آنذاك، من أصول عسكرية. فمن كل مصيبة، كنا ننتزع عناصر الحياة. أما في أوقات الحصار والشقاء؛ فقد كانت الاختراعات "المدنية" تساعد على استمرار الحياة بكل سماتها. لا استغناء عن الترمس، ولا عن عرانيص الذرة المسلوقة والمشوية. آخر عِز. قريبي عبد الحكيم، موزع الترمس، ليس بمقدوره أن يتحمل أكلاف الطاقة النظيفة نسبياً، من السولار أو الغاز أو البنزين، فيما هو يغلي ترمسه في براميل كبرى. هو صديق للبيئة، ليس بالكلام، وإنما بالتضحية والتعرض الطوعي لملوثات رئتيه. كان يجمع نفايات زيت المحركات، من محال تغيير الزيت، ويبلل بها لفائف من خرق القماش، فيجعل منها شمعات احتراق تشتعل تحت البرميل في مساحة مغلقة. هكذا أفضل من رمي عوادم الزيت في الأرجاء. ويتسلى المستهلكون بالترمس المغلي في ظروف غامضة. كم هي فوائد الركام عظيمة بعد كل كارثة. فأثناء وبعد كل حرب، تُنقى الأكوام، وتزدهر السوق، وتعلو الهمة لتطاول الألم، ويغتني درس الركام مثلما يغتني درس السياسة وتغتني فكرة المسؤولية عن مصائر الناس!

 

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2025