عصبوية قاتلة - موفق مطر
الى متى سيبقى الملايين من شعبنا في قطاع غزة تحت سيطرة عقلية فئوية، تجلب الموت والدمار للجميع، وتستنزف الجميع، لكنها عصبوية مقيتة وقاتلة عندما تحين ساعة رفع المعاناة عن الضحايا الأحياء؟!.
بالأمس اتصلت بي سيدة من غزة تستصرخ ضمائرنا، حتى لا يموت افراد عائلتها من القهر! فقذائف جيش الاحتلال احرقت بيت عائلتها، وباتت – وهي المطلقة – مع أطفالها ووالدتها العجوز المقعدة وأخيها المعاق في مهب الريح !!، فهي تخشى السؤال بعد اكل نيران القذائف محتويات البيت ونفثته رمادا، حتى جدرانه آيلة للسقوط، فالحجر لم يستطع مقاومة نار الحقد العنصري وصناع الحرب والموت.. لكن ألمها كان افظع وهي تشهد بعينيها تمييزا وفرزا بين مواطن وأخيه المواطن ممن بيدهم الآن سلطة التوزيع، أو بالأحرى من يستولي على المساعدات ويوزعها على فئة من مجتمع المتضررين دون اخرى، ومعيارهم في ذلك الانتماء الحزبي!.
قالت وكلماتها الحارقة تلامس وجدان كل حي وصاحب ضمير:" نريد ستر عوراتنا، وحفظ ما تبقى لنا من كرامة انسانية، لا نريد غذاء.. فهذا الأمر نصبر عليه، لكنا لا نقدر على الهوان والذل، نريد ايواء العجائز والمعاقين، والأطفال، نريد مساعدات مالية فورية ومستعجلة، فحماس هرعت لمساعدة اعضائها وأنصارها، ومدتهم بالمال والمساعدات والدعم المادي والعيني والمعنوي، اما نحن ( أكثرية الضحايا الشهداء والأحياء ايضا ) فلم ينظر الى مأساتنا واحد ممن بيدهم - هنا في غزة - القرار!.
عشت تجربة الحرب في غزة عندما شنت دولة الاحتلال عملية (الرصاص المصبوب) عام 2008 ويمكنني القول من تلك التجربة مع الفارق بينها وعملية (الجرف الصامد) ان المواطنين في مثل هذه الظروف يحتاجون الى مساعدات مالية فورية بالتوازي مع المساعدات العينية، ففي غزة ما يكفي من هذه المواد لسنوات.. ولعل شهادة الصدق والحق التي سمعناها من مسؤول كبير في القطاع حول امتلاء مخازن حماس بالمواد التموينية والعينية تثبت لنا أن غزة تعاني نقصا وضعفا في العدالة واحترام قيمة الانسان، وليس الغذاء أو الدواء !.
نعلم ان القيادة السياسية وحكومة الوفاق لم يوفرا جهدا لنجدة شعبنا في القطاع.. ونعلم ايضا ان المساعدات المالية الفورية تتطلب اياما من الجهود قبل حصر المتضررين..لكن ذلك لا يمنع مبادرة لجان موثوقة، تتفق على تسميتها كل القوى السياسية على الأرض لحصر المحتاجين للمساعدات المالية الفورية، ورفعها الى الحكومة صاحبة الصلاحية في دعم المواطنين، ولعلنا نرسم بهذا العمل الجماعي المنظم ظلا للوفد الفلسطيني الموحد الذي يفاوض وفد دولة الاحتلال على انهاء العدوان وهدنة نهائية وتحقيق المطالب المشروعة للشعب الفلسطيني تمهيدا لإنهاء الاحتلال، فنعزز الصمود والإيمان بالوحدة الوطنية، أما فرز وصرف المساعدات المالية والعينية الفورية وتصنيفها وفق اعتبارات الانتماء السياسي، فإنها لا تمزق النسيج الاجتماعي والوطني وحسب، بل تعمل على اضعاف الموقف العام للشعب الفلسطيني، وتكرس التقسيم والفرز على اسس حزبية، ما يعني تسهيل انكسار جبهتنا الداخلية، وهدر التضحيات، فالمواطن الذي خسر افراد عائلته وبيته، او اكلت نيران الغزاة كل ما يملك في لحظات، تعنيه العدالة، فتطبيقها يحفظ كرامته وكرامة المواطنين، ويحسن عزاء المجتمع والشعب لمن ضحى، فنرقى بذلك بمعاني العزاء, والتضحية.