بؤس استجداء القصف - عدلي صادق
كنا، في سطور الأمس، نتحدث عن شخصية سلبية ابتدعها فنان الكاريكاتير الراحل مصطفى حسين ودأب على استنطاقها. هي مزهوّة بذاتها على لا شيء وعلى لا مأثرة. لكنها ذات كلام فخيم يُحاكي لغة المقتدرين المرتاحين. يهذر فيما هو ماكث في قلب حياة رثة، تنكشف في أوقاتها مؤخرات أطفاله. وبدل أن يبذل جهداً، لكي يستر عوراته، ويستبدل بابور الكاز بفرن يعمل على الغاز؛ تراه يفتعل انشغالاً وتأسياً على يخت الأمير أندرو لأن اليخت معروض للبيع. هكذا بلا مؤاخدة هو حال النظام العربي. تنبثق من رزايا أحواله، تشوهات بشرية كالدواعش، التي يشتعل بابورها ويعلو صوته، فيما تنكشف مؤخرات أوطان وأنظمة. والمفارقة، أن ولاة الأمور في أية بقعة من الأرض، وعلى مر التاريخ، كانوا يعالجون الأمور إما بمنطق السبب أو بمنطق النتيجة. الأولون أذكياء والأخيرون على باب الله، لأن معالجتهم تكون ردود أفعال ومقاربات غير جذرية إن لم تكن للتسكين. لكن النظام العربي استحدث معالجة هجينة أو كاريكاتورية، لم تعرف الأمم مثيلاً لها. فلا معالجة حقيقية بمنطق السبب، أي باستدراك الأخطاء الاقتصادية والاجتماعية والثقافية وتصليب حياة المجتمعات وتكريس ثقافة ديمقراطية وديانة مستنيرة، ولا معالجة بمنطق النتيجة، أي بشد الرحال جنباً الى جنب مع المتضررين المباشرين من أفاعيل الدواعش، علماً بأن الأمة والديانة والثقافة والمكانة والأمن القومي ووحدة الأوطان ووئام الشعوب وغير ذلك، يتأذى كله من هؤلاء الأوغاد الذين يقترفون الجريمة بالمروق على الدين!
حسناً فعل النظام السوري عندما بادر الى قصف الدواعش في الرقة أمس، ولو انه كان معنياً بإطلاقهم وتسمينهم لكي يستقيم القول إن خصومه إرهابيون، ثم اصبح معنياً بقصفهم لكي يتمثل الجدية في التصدي للارهابيين نيابة عن الإنسانية. هنا، يتبدى بؤس الحال العربي أربع مرات. واحدة عندما انبثق هؤلاء من شقوق رزاياه، ومرة عندما استقووا عليه وقضُّوا مضجعه، ومرة عندما بات العرب يتوسلون تدخلاً أميركياً لتخليصهم من هذا البلاء، ومرة عندما اتُهموا بممالأة الوحش المسعور وتوظيفه، من تحت الباطن، في سياق السجال والاستقطاب الطائفي، الذي هو رزية عربية بحد ذاتها!
للأسف، ليست هناك روح للمبادرة على أي صعيد، لكبح جماع أي عدو من الداخل أو من الخارج. كأن هذه الدواعش ليست فضيحة حضارية تشوه صورة العرب والمسلمين. أو كأن طرفاً إقليمياً أو دولياً سيعترض لو أنهم بادروا الى انصاف أنفسهم وتصدوا بأنفسهم لهؤلاء الدواعش. ففي هذه المهمة يجتمع المتناقضون على أمنية القضاء على هذا الخطر، مثلما يجتمع الأعداء والأصدقاء على مكافحة حريق أو طوفان أو وباء مُستشرٍ. فما الذي يمنع أن يكون القصف للدواعش، وحتى الإنزال العسكري، عربياً صرفاً؟! أي بؤس هذا الذي يجعل ائتلاف المعارضة السورية يستجدي قصفاً أميركياً للدواعش في سورية "أسوة بما حدث في العراق" ويستهجن "الكيل بمكيالين" حسب البيان الرسمي للاستجداء؟! كأن أميركا توزع دقيقاً ومواد إغاثة. فإلى متى هذا البؤس الذي يعقبه غطرسة بلاغية عربية رسمية، على طريقة "الكَّحيت" في رسومات مصطفى حسين؟!