فلسطين ..المعادلة تغيرت - احمد سيف
يقاتل الاسرائيليون، في القاهرة، بشراسة لإعادة عقارب الساعة الى الوراء، الى ما قبل غزة وبالتحديد ما قبل قرار القيادة الفلسطينية، بعد فشل المفاوضات، بتوحيد القرار الفلسطيني كأساس لاستراتيجية فلسطينية جديدة لمقاومة الاحتلال. لكنهم وصلوا متأخرين واكتشفوا رجالا فهموا جيدا ان المعادلة تغيرت او تكاد.
فهمت إسرائيل مغزى قرار الرئيس ابو مازن ولم تتوان لحظة لاعادة عقارب الساعة الى الوراء اولا عبر التهديد والوعيد، وثانيا عبر محاولة إرهاب الضفة وزعزعة عزيمة أهلها، وثالثا عبر حجم من الدمار والقتل غير المسبوق في غزة واستعداداً للذهاب الى أبعد ن سمح لهم ومضوا في غيهم وإرهابهم لا يخشون على مستقبلهم ومصيرهم.
يرعب اسرائيل الان، أكثر من أي شيء آخر، ان تنجح بروفة المفاوضات في القاهرة بقيادة عزام الأحمد من فتح وشراكة بقية الفصائل من حماس والجهاد، لتحقيق هدنة وفتح المعابر ووقف العدوان. وبدء الاعمار، لتصبح نسخة أصلية في قريب الأيام، حين ستجد إسرائيل نفسها ما بعد غزة، ومن الان فصاعدا، في مفاوضات "الحل السلمي" امام وفد كل الفلسطينيين مجددا، للحديث عن كل شيء، بما في ذلك تلك القضايا التي أجلها، ولا مناص من طرحها، وجود قليل من توازن القوة.
سوء حظ الاسرائيليين النابع من عجزهم ومن محدودية الارهاب الذي يمكنهم من اللجوء اليه، يوقعهم في المزيد من الارتباك وهم يبحثون في القاهرة، ليس في واشنطن أو لندن، عما يمكن ان يفعلوه خارج إطار ما تعلموه في تعاملهم مع العرب "هؤلاء الذين لا يفهمون سوى لغة القوة". واسندوا مشروعهم كله الى الان، على ممارسة القوة وعبر الارهاب والخديعة والاعتماد على خدمات الأنظمة العربية وحكامها، وفي الحال الفلسطينية، عبر اللعب على الانقسام الفلسطيني منذ ثلاثينيات القرن الماضي الى تموز الماضي.
في 2006 خلال العدوان على لبنان نجحت المقاومة اللبنانية وحزب الله في ضرب اسرائيل واستراتيجيتها للردع. وأثمر توازن ما للقوة على الارض هدوءا وحذرا وإقرارا إسرائيليا بعجزها عن ممارسة اكثر من انتظار حرب أخرى من الشمال.
لكن المفاجأة الأكبر في تاريخ اسرائيل الأمني، جاءتهم من الجنوب حيث نجح الفلسطينيون، بحكم آليات الصراع المعقدة وما تنتجه من وقائع خارج الحسابات كما يحدث في الصراعات الكبيرة، في نصب خديعة استراتيجية لإسرائيل، بدأت في تغيير طرق التعامل التقليدية مع القضية الفلسطينية وباتجاه فرض حل اكثر إنصافا وعدلا للشعب الفلسطيني والشعوب العربية المحيطة.
نجحت القيادة الفلسطينية في السلطة الوطنية ومنظمة التحرير بدعم بعضه عربي وأوروبي، بتوفير شريان الحياة للفلسطينيين في غزة مستعينة بعلاقاتها وغطاء ما يسمى بـ "عملية السلام"، ونجحت فصائل المقاومة في تكديس السلاح والقوة ووضع بنى تحتية، بما في ذالك الأنفاق، وليشكل جهدهم مجتمعا، مفاجأة استراتيجية لإسرائيل وفشل ذريع لأجهزتها الاستخبارية وتقدير سياستها ومراكز أبحاثها.
تحاول الآلة العسكرية الاسرائيلية، ما أمكنها إخفاء هذا الفشل وما رافقه من فشل آخر على الارض، لكن الشعب الفلسطيني في غزة والضفة والأراضي المحتلة عام 1948 وفي الشتات ومخيمات اللجوء في الجوار. فهموا اسرار اللحظة وما ينتظر مصيرهم عند هذا التقاطع. ويحاولون وشركاؤهم من العرب، الامساك بهذه اللحظة ..لأنها اللحظة التي يجبر فيها الاسرائيلي، على وضع اول خطواته، في طريق طويل، ليس لفتح معبر او مطار، بل لحل القضية الفلسطينية حلا عادلا وفق قرارات الشرعية الدولية. ولأنها لحظة أخرى وفرصة أخرى كي يبدأ أهل هذه البلاد بنفض تبعات حروب الغرب الاستعمارية علينا منذ الحرب العالمية الأولى بما في ذالك إقامة كيان اسرائيل العدواني والغريب.
في هذه اللحظة الحاسمة من التاريخ، لنا ان نفتخر بأداء المفاوضين في القاهرة ومن يساندهم من العرب وبأداء الأبطال في غزة، اذ يتم الان بقليل من القوة والكثير من الإرادة والعزم، صناعة تاريخ آخر لفلسطين والمنطقة، وأين تحاول إسرائيل، عبر خيارات انتحارية، الإمساك بحبال الماضي الواهنة، واهنة وبالية لأن المعادلة قد تغيرت فعلا.