في وداع السميح - حافظ البرغوثي
رحل أحد عمالقة الشعر الفلسطيني المعاصر.. كان قريناً للراحل الكبير محمود درويش.. غير أنه لم يهاجر.. ظل في رامته وحيفاه.. يشدو أناشيد الصمود والوطن المحتل والإنسان تحت الاحتلال. ويؤلب الأحزان، لكي تخجل وتستحيل إلى فرح.. من عرف القاسم عرف فيه طفلاً يصر على طفولته، رغم الشيب، وتقادم السن، وقصائد شتى على ناصية الطريق، حيث يمر عشاق الوطن وفي الحقول.. وفي وجه صانعي الأحزان من الغزاة.
زرته في حيفا قبل 35 سنة، في صحيفة الاتحاد حيث كان يعمل وسط جمع من رواد الحركة الوطنية والثقافية، وزرته في جريدة كل العرب، وفي القدس إبان الانتفاضة الاولى وقابلته في القاهرة حيث أحيا أمسية فريدة. وفي أبو ظبي حيث ألهب الجمهور في أمسية قبل عقد أو يزيد وفي عمان.. وفي رام الله عدة مرات، آخرها عندما تم تكريمه في معرض الكتاب قبل سنتين. كان يحاول مقاومة المرض العضال بروحه المرحة وإصراره على الشعر.. تمسك بالشعر وبحوره حتى الرمق الأخير. كان ينقل الشعر المقاوم من مدينة إلى أخرى.. حتى القى مرساته في جليله الجليل..هو شاعر مدفعي واقتحامي، واضح وصريح لا يهادن ولا يساوم، ظل حتى الرمق الأخير يدعو للنفير، وإن قال قصيدته الناقصة قبل زمن فهو أكملها قبل أن يكتبها لأن حروفه تسبق أوراقه:
ويلاه إن أحرفي تتركني
ويلاه.. إن قدرتي تخونني... وفكرتي... من رعبها تضيع ... وينتهي هنا
أمرّ ما سمعت من أشعار... قصيدة صاحبها مات ولم تتمْ
لكني أسمع في قرارة الحروف بقية النغمْ
أسمع يا أحبتي بقية النغمْ