في خضم المقترحات والمخاطر - عدلي صادق
عندما حرص الأوروبيون على تثبيت الحيثية السياسية المنطقية، داخل مشروع قرار لمجلس الأمن، ألماني بريطاني فرنسي، للتوصل الى تهدئة طويلة الأمد في غزة؛ جُن جنون حكومة المتطرفين، لأن ما يناسبهم هو معالجة ملف الحرب التي يشنونها على قطاع غزة، بمنطق النتيجة بأبشع صورها، لا بمنطق السبب الرئيس وهو الاحتلال. فقد جرى توزيع المقترح الأوروبي في مبنى الأمم المتحدة، وجاءت فيه نقطة تدعو الى استئناف مفاوضات التسوية على أساس حدود 67. وبالطبع لا زالت اسرائيل تطمح الى اتفاق يستكمل التدمير والاستهانة بالنفس البشرية بتدمير سياسي، يقفز عن حقيقة أن هناك ضرورات سياسية تستوجب وقف الحرب نهائياً، بالتصدي لأسبابها لا لنتائجها الكارثية وحسب. ففي مسعاها هذا، لا تركز حكومة نتنياهو على الأمن وحده، وهو ذريعتها لشن حرب طالت معظم نيرانها المدنيين؛ وإنما بات ما يهمها هو تكريس الانسداد وإبقاء اليأس والاستمرار في وضع الفلسطيني في موقف المضطر الى مقاومتها بما يتاح له من القوة. فعلى الرغم من أن جهداً فلسطينياً كبيراً، لا بد من بذله لكي تعود السيطرة الفعلية على كل صعيد في قطاع غزة الى السلطة الوطنية؛ إلا أن إسرائيل رفضت المقترح قبل أن يبدأ النقاش الوطني الفلسطيني لتكريس مثل هذه السيطرة التي سيكون من بينها ترتيبات أمنية، تضمن عدم العودة الى الحرب، مع آلية دولية لتنفيذ بنود المقترح الأوروبي، وللتحقيق في انتهاكات وقف اطلاق النار. ولعل ما استثار غضب حكومة المتطرفين المستوطنين، هو ما جاء في مقترح المشروع الذي تلقت جريدة "هآرتس" نسخة منه، وجاء فيه:" يدعو مجلس الأمن إلى استئناف عاجل لجهود الطرفين والأسرة الدولية لتحريك مفاوضات تهدف للتوصل إلى سلام شامل على أساس رؤية دولتين ديمقراطيتين – إسرائيل وفلسطين - تعيشان بسلام وأمن، جنباً إلى جنب على أساس خطوط العام 1967".
هنا، يمكن النظر الى صيغة المشروع الأوروبي باعتبارها تلبي للجانب الفلسطيني بعض الرجاء ولو من الناحية النفسية، وذلك في لحظة مروّعة، يريد فيها الطرف المسلح بالقوة الغاشمة وهو ينفذ جرائم القتل والتدمير، شَطْبْ القضية مثلما شَطَبَ مناطق سكنية بأكملها وأحالها الى ركام. فقد أحبطت الولايات المتحدة مشروعاً أردنياً باسم المجموعة العربية في الأمم المتحدة، يُلبي لإسرائيل مطلب التهدئة الطويلة التي يريدها، لكن واشنطن ضنّت على الضحايا بفقرة مواساة تدين العدوان الإسرائيلي وأحبطت المشروع.
ربما تكون ردة الفعل الإسرائيلية، سبباً في اعادة الفاعلية الى المبادرة المصرية. فالطرف المتغطرس يريد مقترحات اجرائية لا سياسية، وهو يسعى لتقليص المبادرة المصرية التي رأتها حكومة نتنياهو تميل الى تلبية المطالب الفلسطينية المتعلقة بإنهاء الحصار على قطاع غزة.
ولا نخطئ التقدير حين نقول إن الجهود الحثيثة التي بذلها الرئيس الفلسطيني محمود عباس في العاصمة القطرية الدوحة؛ نجحت في انتشال المسألة برمتها من حمأة سجال المحاور في الإقليم. وكانت تصريحات "أبو مازن" بعد اجتماع مطوّل مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، تنم عن هذا المنحى. وفي الحقيقة يتبقى علينا، في خضم المقترحات والمخاطر، مواجهة التحدي الداخلي، وهو التوصل الى تفاهم لتكريس سيطرة حقيقية للسلطة الفلسطينية على قطاع غزة، عبر حكومة توافق قوية!