المحكمة.. والرئيس المسيح - موفق مطر
ماذا يقصد السيد عزت الرشق – قيادي في حماس - بقوله: "وقعنا على وثيقة تطالب عباس بالذهاب فورا الى محكمة الجنايات الدولية"؟! فنص كلامه يوحي للمتلقي ان حركته - بهذا التوقيع المتأخر جدا!!- تضغط على الرئيس ابو مازن ليوقع قرار الانضمام الى اتفاقية روما، وكأن العالم عموما والشعب الفلسطيني خصوصا لا يعلم أن الرئيس قد طلب من كل الفصائل الفلسطينية - قبل العدوان وأثنائه - التوقيع على وثيقة، تفيد بموافقتهم على قرار رئيس دولة فلسطين المحتلة بالانضمام الى الاتفاقية التي ستؤهلها لرفع دعاوى على دولة الاحتلال وأفراد فيها متهمين بجرائم حرب وضد الانسانية بحق الشعب الفلسطيني.
يعلم الفلسطينيون أن الدكتور صائب عريقات ذهب مكلفا من الرئيس الى رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل في الدوحة للحصول على هذا التوقيع قبل اسابيع، فأحال الأمر الى موسى ابو مرزوق الذي كان جوابه: لقد استفتينا المحامي محمد سليم العوا ونصحنا بعدم التوقيع، أما لمن لا يعرف العوا فهو كبير جماعة الاخوان المسلمين المتخصص بالافتاء (القانوني المسيس) لخدمة الجماعة طبعا !! ولعل مئات الأكاديميين الذين التقوا الرئيس في مقر القيادة في رام الله يعلمون هذا الأمر قبل غيرهم من الجمهور الذي لا تخفى عنه خافية !.
الحقيقة التي اخفاها الرشق هي ان الرئيس ابو مازن هو الذي اشترط توقيع حماس بعد موافقة قيادات منظمة التحرير الفلسطينية وتوقيعها على وثيقة الموافقة للانضمام الى محكمة الجنايات الدولية، ذلك ان قرارا مصيريا كهذا، يستوجب تحمل المسؤولية بصفة فردية ووطنية، لابد ان يكون قرارا جماعيا، فللانضمام تبعات ايجابية وسلبية الأولى لصالحنا، والأخرى علينا، وهذا يتطلب قرارا شجاعا مدروسا من كل الجوانب، حتى لا نبدو كمن ذهب مع سبق الاصرار الى قفص الاتهام !! فالأمر يحتاج لبحث دقيق لحالتنا الكفاحية وما شابها من اخطاء، حتى لا تتحول محكمة الجنايات الدولية بقدرة الصهاينة المستحكمين برقاب العالم ومؤسساته الى محكمة لنا بدل ان تكون لصالح ضحايانا وقضيتنا.
يحق للرئيس الحصول على ضمانات اولها قانونية، وهذه لن تتأتى إلا عبر استشارة خبراء القانون الدولي الفلسطينيين والعرب والأجانب، وآخرها من القوى الفلسطينية المناضلة والمقاتلة تفيد بعلمهم وإدراكهم لتداعيات الانضمام ومتطلباته واستحقاقاته.
اعتقد جازما ان الرئيس ابو مازن على استعداد لأن يكون (مسيح الفلسطينيين) ويتحمل آلام الصلب مادامت النتيجة حرية واستقلالا وأمنا وسلاما ودولة بعاصمتها القدس للشعب الفلسطيني، ولعلي لا بالغ اذا قلت أن (الرئيس الفدائي) على استعداد لافتداء شعبه وقادة القوى الوطنية المناضلة ان تطلبت عواقب الانضمام (السلبية) لمحكمة الجنايات الدولية، محاسبة رئيس الدولة، لكن ذلك لا يعفي قادة الفصائل من تحمل المسؤولية التاريخية في هذه اللحظة المصيرية، ولهذا السبب كما سمحت لنفسي بالتفسير والاعتقاد ان الرئيس كان مصرا على الحصول على توقيع قادة فصائل منظمة التحرير الفلسطينية وحركة الجهاد وحماس
وافق قادة حماس ولبوا شرط الرئيس كما قال الرشق..لكنهم لم يقولوا للرأي العام الحقيقة، وهذا ما يجبرنا على الخشية من انقلاب المواقف، ولنلاحظ ان الاعلان على الموافقة والتوقيع جاء بعد اربع وعشرين ساعة من اعتراف واقرار القيادي في حماس صالح العاروري بمسئولية حماس عن عملية خطف وقتل المستوطنين الثلاثة التي اتخذها نتنياهو مبررا للعدوان على الشعب الفلسطيني المستمر منذ حوالي الشهرين، والمصيبة الكبرى ان هذا الاقرار الاعتراف جاء بعد جملة من تصريحات النفي اعلنها رئيسه في حماس خالد مشعل، واثر اغتيال جيش دولة الاحتلال لثلاثة قادة في المجلس العسكري لكتائب عز الدين القسام، وهذا ما يدفع الرئيس بعد التحولات والانقلابات المفاجئة للحصول على ضمانات بأن قرار الانضمام للمحكمة كان مسؤولية جماعية وان اية نتائج ايجابية او سلبية سيتحملها الجميع سواء اذا كانت بحق دولة فلسطين، او بحق الأفراد لا سمح الله.