الاغتيال في تعريف الدولة الإرهابية - د. أسامة الفرا
اغتيال قادة كتائب القسام في رفح جاء ضمن محاولة يائسة من حكومة الاحتلال للتقليل من فشلها الذريع في حربها على غزة، هي دوما تحاول أن تجعل من عمليات الاغتيال التي تنفذها خلفية لفيلمها "قوة الردع"، الاغتيال لديها على مدار عقود عدة لم يقتصر على العسكريين بل كان لرجال السياسة والاعلام وحتى العلماء نصيب منه، دون أن تعي حقيقة أن الاغتيال لم يجلب لها يوما أمنا ولا هدوءاً تطمح إليه، بل دوماً ما شكل اغتيال القادة قوة جذب للجيل الشاب لما يحملونه من فكر وعقيدة، وأسهم في بروز قيادات أكثر راديكالية وإندفاعاً من سابقتها.
فلسفة الاغتيال داخل عقلية الاحتلال تشكلت قبل النكبة عام 1948، من خلال الأعمال التي مارستها العصابات الصهيونية التي هدفت يومها بجانب القتل إلى بث الرعب والفزع في صفوف الفلسطينيين، بعد أربعة أشهر من النكبة اغتالت دولة الاحتلال الوليدة الكونت برنادوت "الوسيط الدولي" كونه وجه أصابع الاتهام إليها في المسؤولية عن النكبة في تقريره إلى الأمين العام للأمم المتحدة، ومن يومها لم تترك حكومة الاحتلال وسيلة إلا ومارستها في عمليات الاغتيال التي نفذتها طولاً وعرضاً، وشكلت وحدة "كيدون" داخل جهاز الموساد لهذا الغرض، وتنوعت وسائلها في الاغتيال بين الطرد الملغوم والسيارة المفخخة والرصاص والسم حتى وصلت بها إلى الصواريخ التي تطلقها طائراتها الحربية، ولم تجد حرجاً في اسقاط طائرة من بين ركابها من هو على قائمة مطلوبيها كما تدعي.
المتغير الوحيد في سياسة الاغتيال التي نفذتها حكومة الاحتلال على مدار العقود الطويلة السابقة لم يكن في طبيعة أهدافها ولا في حجم الضحايا، بل في تبنيها الوقح لجريمتها تلك، على مدى عقود عدة إعتادت حكومة الاحتلال أن تتنصل من مسؤولياتها عن عمليات الاغتيال رغم الدلائل التي تشير إليها، وإن تركت أحياناً لوسائل إعلامها أن تتبجح بها إلا أنها نأت بنفسها عن تبنيها لتلك العمليات.
استمرت على هذا الحال حتى عام 2001 عندما اتخذ مجلس وزرائها المصغر قراره بتصفية قيادات فلسطينية، شكل ذلك القرار منعطفا في منهجية سياسة الاغتيال من حيث تبنيها الصريح والواضح لها على مرأى ومسمع من العالم بأسره، لم يحرك العالم ومنظماته الدولية ساكناً أمام جريمة يعترف فيها القاتل بالصوت والصورة بمسؤوليته عن جريمته، خاصة وأن العديد من جرائم اغتيالها تمت على أراضي دول تتمتع بالسيادة والاستقلال، سواء كانت عربية أو أوروبية، بل أنها ذهبت إلى أبعد من ذلك حين ارتكبت جرائمها تلك بجوازات سفر مزورة لدول أخرى، صمت العالم حيال ذلك دفع اسرائيل لأن تجعل من الاغتيال سياسة يومية لها.
ان سياسة الاغتيال التي تنتهجها حكومة الاحتلال اليوم، وبهمجية لم يسجلها التاريخ من قبل، يجب أن تدفعنا فلسطينياً وعربياً لإعطاء هذا الملف الأهمية المطلوبة في ملاحقة قادة الاحتلال أمام محكمة الجنايات الدولية، خاصة وأن العديد من الدول العربية انتهكت حرمتها بتنفيذ حكومة الاحتلال لعمليات اغتيال على أراضيها، ألا يمكن لنا من هذا الملف المتضخم على الأقل أن نضع تعريفاً دقيقاً للدولة الإرهابية؟.