آفاق الهدنة الطويلة - عمر حلمي الغول
سيعود الوفدان الفلسطيني والاسرائيلي الى القاهرة للمفاوضات غير المباشرة عبر الشقيقة الكبرى، مصر المحروسة، ووفق ما أعلن الرئيس ابو مازن في مؤتمره الصحفي، بعد لقاء الرئيس عبد الفتاح السيسي انهما اتفقا على: أولاً تثبيت الهدنة لوقف نزيف الدم الفلسطيني، وثانياً الشروع بادخال المساعدات الانسانية من الاشقاء والاصدقاء لسد حاجات المواطنين، وأيضا لادخال مواد البناء للشروع باعادة بناء ما دمرته الحرب الاسرائيلية المسعورة على قطاع غزة خلال الخمسين يوما الماضية. وبعد ذلك تبدأ مفاوضات بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي على المطالب الفلسطينية، التي باتت معروفة, ولكن السؤال المطروح على بساط البحث، هل اسرائيل جاهزة للاستجابة للمطالب الفلسطينية المشروعة، والتي كانت موجودة، فضلا ان اتفاقيات أوسلو، وقوانين ومواثيق وأعراف الأمم المتحدة كفلتها؟ وهل اسرائيل مستعدة لتهدئة طويلة تضمن الاستقرار والهدوء في أراضي دولة فلسطين المحتلة كلها وليس فقط في محافظات الجنوب؟ وهل هناك ارادة عربية ودولية لالزام اسرائيل بالمضي قدماً نحو خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967؟
المراقب الموضوعي يعلم ان اسرائيل ليست جاهزة، ولا مستعدة للتقدم خطوة ايجابية وجدية للوصول لتهدئة حقيقية، رغم انها فضلت الوساطة المصرية على أية وساطة أخرى، لانها لا تريد اصدار قرار من مجلس الأمن أو أي منبر دولي آخر يتطرق للحل السياسي، مع ان مشروع القرار الاوروبي، الذي يجري التداول بشأنه بين الاقطاب الدولية ومع الأمم المتحدة، يركز على نزع سلاح المقاومة. وبالتالي فان العودة للمفاوضات غير المباشرة تحتاج الى: أولاً تمسك الوفد الفلسطيني بالمطالب المعلنة، وفي ذات الوقت، المرونة لاحداث اختراق جدي في جدار الرفض والمماطلة الاسرائيلية، وثانيا العمل بكل الوسائل لوقف نزيف الدم الفلسطيني، واخراج الرأس الفلسطينية من مقصلة الحرب الاسرائيلية، وهذا جل ما ركز عليه الرئيس عباس والرئيس السيسي، وكل القيادة الفلسطينية، وثالثاً استدراج القوى الدولية وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي لدعم المبادرة المصرية، والتوقف عن سياسة الالتفاف عليها، والعمل على اخراجها بقرار من مجلس الأمن، لتأخذ الصبغة الالزامية، وفي السياق الضغط على دولة الحرب والعدوان والاحتلال الاسرائيلية.
غير ان المؤشرات جميعها تشير الى ان امكانية احداث مثل هذا التحول الايجابي في المواقف الدولية أمر غير وارد، ولا تبشر المعطيات والمداولات الجارية في الاوساط المختلفة بتفادي وتجاوز كل المطبات والعراقيل الاسرائيلية والدولية على حد سواء.
والارجح ان تصل جهود الوسيط "الشريك" المصري الى طريق مسدود، لان حكومة اسرائيل المأزومة ليست مستعدة لتقديم أي حلول واقعية، رغم ان الوفد الفلسطيني قدم فعلاً مرونة عالية عشية انهيار الهدنة وانسحاب الوفد الاسرائيلي من المفاوضات الاسبوع الماضي. والتقدير ان تفرض اسرائيل هدنة مقابل هدنة دون أية التزامات، كي تبقى يدها طويلة في اختراق الهدنة تحت حجج وذرائع وهمية لا تمت للواقع بصلة. الامر الذي يفرض على القيادة الفلسطينية وبالتنسيق مع الاشقاء العرب تقديم رؤية وآليات عمل ابداعية مختلفة عما هو معمول به راهنا، لعل مفاجأة الرئيس ابو مازن تحمل الجواب على هذه المعضلة.