"بي بي سي".. تواصل الانحياز لإسرائيل - احمد سيف
نشاط محموم تبذله الآلة الاعلامية الاسرائيلية هذه الأيام، لاستعادة التأثير على الرأي العام الذي تعاطف معظمه مع الفلسطينيين، عبر الاستعانة بمؤسسات تراقب وتسجل ما يبث من برامج، ترصد ردود الفعل وتقدم إلى المسؤولين الاسرائيليين ومن يتعاطف معهم نصائح وتوجيهات ولوائح باللغة والمفردات والجمل التي يجب قولها ومتى ومستوى الصوت وتقترح النبرة المرافقة. وتنظم حملات العلاقات العامة وتنسق بدقة بين المستويين الاعلامي والسياسي لشن هجوم يشبه في مفعوله إعلاميا، هجماتها المدمرة على غزة كما حصل عندما اختلقت اسرائيل قصة الصواريخ الثلاثة وهي تحاول اغتيال قادة المقاومة في غزة او قبل ذلك إثر التهدئة الاخيرة في غزة، حين أجرت معظم محطات التلفزة في الولايات المتحدة وفي بريطانيا مقابلات مع نتنياهو، ركز فيها، وهو يحاول تبرير حجم الدمار والقتل غير المبرر، على تأثر تغطية الصحفيين الأجانب في غزة بتهديدات حماس، أمر كذب وقوعه أغلبية الصحفيين الذين شاركوا في تغطية العدوان على غزة. أو حملة نتنياهو الفاشلة لاستغلال صحوة الغرب المفاجئة ضد داعش (والتي خففت الضغط الاعلامي والسياسي على اسرائيل) ومحاولته خلط ما يحدث في سوريا والعراق بما يحدث في فلسطين.
وبالرغم من انكشاف الخدع الاسرائيلية مرارا، ما زالت وسائل الاعلام شبه الرسمية وخاصة قنوات آلـ "بي بي سي" والـ "آي تي في" و"سكاي نيوز"، تسمح بتمرير الحيل الاسرائيلية دون الكثير من التمحيص.
خلال مقابلة له اثناء العدوان المستمر على غزة، قبل ايام، مع الـ "بي بي سي" راديو 4 برنامج اليوم، أهم برنامج إخباري صباحي في بريطانيا، قال جورج فيلو، أستاذ الاعلام في جامعة جلاكسو، ان تغطية التلفزة البريطانية الحالية للعدوان على غزة، تشبه تماماً سياستها في التغطيات السابقة المنحازة لإسرائيل خلال الاعتداءات السابقة.
فيلو الذي يرأس وحدة دراسات في الجامعة، شن ومعه عدد كبير من المثقفين، حملة ناجحة على الهيئة وسياساتها. ولخص جون بلغر، كاتب صحفي يساري معروف بمناصرته قضايا العالم الثالث، لخص العلة في تغطية التلفزة من خلال شعار ساخر كتبه على يافطة حملها خلال تظاهرة احتجاج الأسبوع الماضي على العدوان، يذكر فيه المشرفين على السياسات الاعلامية في "بي بي سي" و "آي تي في" بأن اسرائيل ما زالت تحتل الاراضي الفلسطينية.
فيلو وزميله مايكل بيري سبق وأن أخضعا تغطية "بي بي سي" و"اي تي في"، قناتا الاخبار الرئيسيتان في بريطانيا، لعدوان غزة عام 2008 للدراسة والتمحيص.
بعد الكتاب الأول عن تغطية الانتفاضة الفلسطينية الثانية، بعنوان "أخبار سيئة من إسرائيل" (2006 بلوتو برس) أصدر الباحثان كتابهما الثاني وأبقيا عنوان كتابهما الاول مع إضافة كلمة واحدة فجاء العنوان الجديد باسم "أخبار سيئة اكثر من اسرائيل (2011 بلوتو برس) للنشر. وللقارئ ان يتصور ماذا سيكون اسم دراسة ثالثة سيعدها المركز عن تغطية "بي بي سي" الراهنة، أين يكاد الناطقون باسم نتنياهو وجيش الاحتلال ان يصبحوا، نجوما بفعل ظهورهم اليومي في ظل غياب من يحاججهم بسبب صعوبة إيجادهم، كما تدعي "بي بي سي" رسميا. وفي ظل تعيين متعاطفين كليا مع إسرائيل في مناصب عليا تقرر السياسات مثل جيمس بيرنل مسؤولا للسياسات الاستراتيجية في الهيئة.
أظهرت نتائج الدراسة الثانية، كما نتائج دراسة تغطية الانتفاضة الثانية، تبني الـ "بي بي سي" وانحيازها لوجهة النظر الإسرائيلية، بما يخالف تقاليد العمل الصحفي التي تدعيها المؤسسة شبه الرسمية وتناقض ما ينص عليها ميثاقها من ضرورة "التزام الموضوعية والحياد والتوازن".
عرضت الدراسة نتائج تحليل لأربعة آلاف نص من نشرات الأخبار التي بثتها خلال العدوان على غزة في السنوات الثلاث السابقة، وكشفت الأبحاث غياب تغطية منصفة، لمقتل أكثر من ألف فلسطيني بينهم مئات الأطفال، وتغييبا متواصلا لأسباب الصراع مثل طرد الفلسطينيين من بلادهم عندما أقيمت إسرائيل والقليل يوضح لماذا يقاتل الفلسطينيون إسرائيل والاحتلال، ما يؤدي إلى الخلط بين المعتدي والمعتدى عليه ودفعت البعض ممن تم مقابلتهم إلى الاعتقاد بأن الفلسطينيين هم من يحتلون إسرائيل.
حسب الدراسة، تتماثل آراء مجموعات من المواطنين الذين يستقون معلوماتهم وتتشكل وجهة نظرهم من التلفزة أساسا مع ما يرونه. ولدى هؤلاء الذين تم سؤالهم من قبل الباحثين، اعتقاد عام بأن الفلسطينيين هم من خرقوا وقف إطلاق النار الذي كان سائدا قبل الهجوم الإسرائيلي الذي راح ضحيته قرابة ألف وثلاثمائة مواطن.
لاحظ الكاتبان أن مقابلة مسؤولين فلسطينيين للتعليق تقل عن نسبة واحد إلى ثلاثة لصالح الاسرائيليين. والأسوأ من هذا التغييب، استغلال الحضور الفلسطيني عندما يتاح، لدعم الموقف الاسرائيلي مثل الاكتفاء بمقاطع معينة واجتزاء ما يركز على "التوعد والانتقام" والنتيجة كما يستخلص البحث، تكريس جوانب من الرواية الاسرائيلية. فحماس في محطة "آي تي في" هي المستهدف وليس الشعب الفلسطيني وفي "بي بي سي" يقال تم "ضرب أهداف حماس" و"الهجوم على حماس والفصائل المتطرفة".
تعليمات واضحة بالتركيز على السلام وأمن إسرائيل، الفصل بين الفصائل والشعب الفلسطيني، ما يجب قوله مثلا في حالة تسرب أو نشر صور لضحايا فلسطينيين والتركيز في مثل هذه الحالات على اضطرار إسرائيل للرد على قصف المدنيين الإسرائيليين بالصواريخ.
يقول فيلو خلال ندوة في جامعة لندن لتقديم نتائج أبحاثه ان "الناس يتعاطفون مع الفلسطينيين لكن الموقف يختلف أثناء التطورات الميدانية، حيث تساهم تغطية الحدث بتأثير مباشر وتجعلهم يعتقدون أن "الفلسطينيين جلبوا على أنفسهم المصائب". وينقل عن مواطن بريطاني قوله: "كنت أرى صور الأطفال والضحايا الفلسطينيين.. أشعر بالحزن وتدمع عيناي ولكني لم أشعر أن الفلسطينيين وحماس كانوا على حق. أعتقد أن الفلسطينيين لم يستغلوا الفرصة لإيجاد حل".
تغيرت مواقف هؤلاء عندما عرض الباحثان عليهم ما كان يجري حقا على الأرض.
وتلك هي المعركة الساخنة - يقول فيلو- إيصال المعلومة الصحيحة في الوقت المناسب. وإجبار "بي بي سي" على التزام الحياد والموضوعية والانصاف.