هل تكون المصالحة آخر الضحايا - يحيى رباح
مازلنا في الأسبوع الاول من التهدئة التي بدأت الساعة السابعة من مساء يوم الثلاثاء الماضي، و من خلال تثبيتها بشكل راسخ نريد أن نبدأ مفاوضات جادة نحقق فيها مطالبنا الصغيرة، إنهاء الحصار بفتح المعابر، و توسيع رقعة الصيد البحري، و إلغاء المنطقة العازلة التي تحيط بقطاع غزة و تبلغ مساحتها 35 % من مساحة الأرض التابعة للزراعة و حوالي 17 % من مساحة قطاع غزة، و تدفق المواد اللازمة لإعادة الإعمار، و إعادة بناء مطار غزة و الشروع في بناء ميناء غزة، بشرط أن تكون هذه الطلبات الصغيرة جزءاً عضوياً من الهدف الرئيسي و هو إنهاء الاحتلال، لأنه دون إنهاء الاحتلال و قيام الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967 و عاصمتها القدس الشرقية، فإن هذه المطالب لا قيمة لها على الإطلاق، فقد كانت موجودة و ذهبت تحت أنقاض الحروب السابقة، بل إن هذه المطالب و أكثر منها هي بنود رئيسية في اتفاقات أوسلو، فأين هي الآن؟
قد لا يستطيع أي متابع أن يحكم على نتائج تهدئة طويلة في أربعة أيام، فالأنفاس لا تزال ساخنة، والجراح لا تزال ملتهبة، و الضجيج يصم الأذان، ورقصات النصر و زغاريده و مؤتمراته الصحفية و وبياناته العجيبة تشكل كلها سحابة غبار تحجب الرؤية و لم تنقشع بعد.
و لكن، و بما أن قوة القضية الفلسطينية و مأساة القضية الفلسطينية أنها متداخلة مع كل الأطراف في هذه المنطقة، فإن بعض الإشارات الصادرة وسط الضجيج لا تبشر بالخير، و على سبيل المثال لا الحصر نورد بعض الملاحظات:
أولاً: ان صوت المقاومة – و هو نموذج لبناني فرضه حزب الله في لبنان – لا يتساوق مع المصالحة و لا يتساوق مع المستوى السياسي، بل إنه يعترض على المفاوضات قبل أن تبدأ، دون أن يراعي وجود حكومة توافق، ومهمات إعادة إعمار ثقيلة جداً لن تتحقق إلا بمستوى عال من المصالحة و الوحدة الوطنية و إرادة سياسية يستجيب لها الجميع.
ثانياً: ان الصمود الأسطوري لشعبنا في قطاع غزة طيلة الواحد و الخمسين يوماً الذي تجلى بمشاركة فعالة من كل الشعب الفلسطيني في الوطن و داخل الخط الأخضر و الشتات يراد له أن يستثمر في مسارات لا علاقة لها بفلسطين من بعيد أو قريب، و هذا ما كشفته عن التصريحات و المواقف التي أعلنت بعد سقط طائرة التجسس الإسرائيلية فوق الأراضي الإيرانية، فإيران التي تفاوض الدول الخمس + واحد لم تلجأ إليهم للجم إسرائيل حتى تكف عن التجسس عليها، و هو عمل يومي تقوم به إسرائيل ليس فقط عبر الطائرات دون طيار بل عبر أقمار صناعية إسرائيلية معلن عنها مخصصة لذلك الغرض، بالإضافة إلى وسائل أخرى، و لكن إيران تريد أن تسلح الضفة الغربية لتقوم هي بالرد بينما تستمر هي بالتفاوض! و على الفور سمعنا كل الجوقة الإيرانية تعزف نفس النشيد!
ثالثاً: ان بعض التدخلات قد وصلت إلى حد يثير أقصى درجات الدهشة، فلقد بدأ هذا العدوان الغاشم على خلفية الشبان الثلاثة الإسرائيليين الذين خطفوا ثم قتلوا في الثاني عشر من حزيران الماضي، و كانت نقطة الارتكاز أن الاتهامات الإسرائيلية لحماس كانت بلا أي دليل! و فجأة يقوم أحد قادة حماس «صالح العاروري» بدرجة لافتة جداً للنظر من الشفافية بالاعتراف الصريح بأن حماس هي التي فعلتها، و أن الخاطفين هم من حماس، ولكن دون علم القيادة العليا لحماس، لماذا هذا الاعتراف المجاني؟ و من الذي طلب هذا الاعتراف بالضبط؟ و إذا كان الشعب الفلسطيني كله في الضفة و القدس و قطاع غزة و حتى داخل الخط الأخضر قد دفع و مازال يدفع الثمن الباهظ، ألم يكن من حق هذا الشعب الفلسطيني قبل اعتراف صالح العاروري أن يأخذ علماً مسبقاً بأن حماس أوجعها ضميرها و تريد أن تعترف؟ أم أن الموضوع له خبايا أخرى؟
نذكر – إن نفعت الذكرى – أن هذا العدوان الغاشم، بخسائره الدراماتيكية، و شهدائه و ضحاياه بالآلاف، وأوجاعه التي لم تبرد بعد، وركامه الذي قد يستمر طويلاً، كان له هدف معلن و هو تحطيم المصالحة و الوحدة و حكومة التوافق و والجهد المتصاعد للقيادة الفلسطينية، فهل بعض هذه الملاحظات التي ذكرتها لكم تصب في نفس الخانة؟ أم أن لها مآرب أخرى؟