الباقي عندكم - عدلي صادق
كلما اقترب بنا الوضع الفلسطيني العام، من طيْ صفحة الخصومة والتجاوز عن آلام السنوات السبع الماضية؛ نُفاجأ بممارسات تمرق على قواعد الدين وعلى سنن الحياة الدنيا، ولا أحسب أن "حماس" كلها مسؤولة عنها أو مؤيدة لها. ولدينا يقين بأن فئة واهمة استبد بها غرور "عبيط" فظنت أنها فاتحة القسطنطينية وأن وجودها هو محصلة انتصارات باهرة حررت الثغور؛ هي من يحرض ويقترف إطلاق الرصاص على مفاصل شبان فلسطينيين ويفرض إقامات جبرية ويستولي على شاحنات إغاثة. ربما تظن هذه الفئة أن طنين ما عُد انتصاراً، من شأنه التغطية على أفاعيل شائنة، لا إسلامية ولا وطنية ولا انسانية، وهذا غير صحيح. فالناس ترى وتتابع وتُدين. ثم إن هؤلاء الذين يفعلون ذلك، يُسيئون لحركة "حماس" وبات من واجب هذه الحركة أن تشتبه في مقاصدهم. ففي مجرى الخصومة جرت مياه كثيرة آسنة، وكان البعض يتصرف بتجرد من الإحساس الوطني ثم ثبت بعد فوات الأوان أنه بعض البعض الفاسق والتخويني "مضروب" وخائن.
يتوجب علينا هنا أن ننصح هذه الحركة، لوجه الله، بأن تقف مع نفسها وقفة موضوعية وأن تراجع المشهد بمجمله. فهي تعرف حقيقة مشاعر الناس في غزة حيالها. ويُخطئ من يظن، أن أية مهرجانات تُقام، ستخدع الناس الماكثين في ساحة الحدث أو تحقنهم بمشاعر الرضى والحبور. وتخسر "حماس" أكثر مما تربح بكثير، عندما تستولي على المساعدات العينية وتعرضها في الأسواق، دون أن تفلت منها شاحنة. وتخسر أكثر عندما تمنع طرفاً غيرها من توزيع مساعدات على الأسر المعوزة. وخسرت وخسر الغزيون معها عندما استولت على حاويات أدوية وكميات وقود ومواد أغاثة، ثم استهدفها العدو بالقصف وأحرقها. إن "حماس" تخسر المساحات تلو الأخرى من الرأي العام بمثل هذه الممارسات في ظل حكومة يُقال إنها وفاقية. فإن كانت الشاحنة الصغرى تُسرق قبل الشاحنة الكبرى وتُعرض محتوياتها للبيع في الأسواق؛ فكيف سيكون الحال عندما تجري إعادة الإعمار المفترضة، بينما المتبرعون المفترضون يتابعون أمورنا ويدققون، وإن لاحظوا أن بعضنا يسطو على بعضنا، وأن وجهة الإغاثة والإعانة تتغير عنوة، وبالقوة، لصالح المتسلط الذي لم يكن من المقاومين أصلاً، فإن المانحين سيمتنعون!
ربما ينعقد مؤتمر إعادة الإعمار في الأسبوع الأول من تشرين الاول المقبل في القاهرة. ننبه منذ الآن كلاً من السلطة الوطنية وحكومتها، وحركة "حماس" أن الوفاق الشكلاني لن يحمل مشروعاً لإعادة الإعمار. ومثلما قلنا أكثر من ألف مرة، إن الشرط الأول والأهم لقيام أية كيانية، هو خلو أراضيها من أية قوة جاهزة لممارسة الإكراه عليها وعلى المجتمع. ولا يمكن لمن يرغبون في مساعدتنا لإعادة الإعمار، الوفاء بالتزاماتهم إن لم تجرِ العمليه في بيئة قانونية واجتماعية وسياسية مواتية. عندئذٍ سيتحمل الطرف العاجز عن كبح جماح طخيخة المفاصل، المسؤولية عن ترك الناس في العراء واستمرار معاناتهم.
دون محاباه ولا مجاملة ولا خشية من أحد، نجزم أن المارقين باتوا عبئاً على "حماس" وأن معظم منتسبي هذه الحركة يتبرم منهم، لأنهم عبء على الناس. ولكن تقع على "حماس" مسؤولية الاستدراك. فإن لم تلجم طخيخة المفاصل وسارقي الشاحنات والمهووسين بالسلطات الأمنية التي تتمحك بخلق الله، فلن تفلح أبداً. لا تغرن أحد الجُمعة المشمشية. مررنا بأكثر منها ثماراً وتكراراً، وأقل دماراً وموتاً، ثم نام ريحنا لأننا لم نلفظ الطحالب، والباقي عندكم!