في زمن "الدواعش" - عدلي صادق
لم ينجُ شعب ولا بلد، في قلب العالم العربي، من ارتجاعات الحضور الفاحش، لقوى الغلو والتطرف، واسترخاص دم الإنسان باسم الدين الإسلامي الحنيف. وليت الأمر يقتصر على الأذى الشامل الذي أصاب الأوطان والمجتمعات. فقد وضَعَتْ مزاعم التدين المسلح بالبندقية والسكين، عقيدة الإسلام نفسه أمام تحدٍ عسير. وبدل أن يكسب الدين مزيداً من المساحات التي تنعقد له فيها مكانة السمو الأخلاقي والحضاري والإنساني؛ بات المنافحون عن العقيدة، يواجهون مخاطر الخلط الشائن، لدى السُذج، بين الإسلام وأفاعيل مجموعات ملتحين، تقترف الجرائم. وربما يدرك المختصون في الغرب والشرق، كون هذه المجموعات لا علاقة لها بالتدين ولا بصحيح الإيمان، وأنها بمثابة عوادم أو نفايات أخرجتها مكائن أنظمة استبداد وبطش وفساد وإفقار، استغلها متفاقهون أشرار، فأعادوا تدويرها وانتاجها في صورة حركة مجنونة غير متجانسة، لا تتورع اجزاؤها عن التقاتل بضراورة فيما بينها، وإهدار دم بعضها البعض، فضلاً عن إهدار دم الأبرياء من كل طيف في المجتمع. وبينما تحاول هذه المجموعات الإيحاء بأنها تحمل مشروعاً، وتستخدم مفردات الدين في لغتها، إلا أن سلوكها ينم عن قطيعة كاملة مع الاجتماع الإنساني فما بالنا بالاجتماع السياسي. أما دين الحق، فهو الذي يشتمل على أعمق المحددات وأرقى الخلائق الكفيلة بنهوض اجتماع سياسي في الأوطان!
تنظيمات "الدواعش" في العراق وسوريا ولبنان وسيناء المصرية وليبيا وأينما كانت؛ تعمدت امتطاء متون القضايا العادلة لكي تحقق رواجاً، لكنها ــ وهنا المفارقة ــ سرعان ما كشفت عن فحواها الذي يزيد ويعمق مظلوميات المتأذين من الاستبداد. يستبدل العصا بالسكين، ويفاقم معاناة المتأذين من النهب الواسع للأنظمة الشمولية، ويعمق فقرهم من خلال تعطيل دورة الحياة الاقتصادية، وسرقة الثروات كآبار النفط وموجودات البنوك وما يتوافر في منازل أثرياء وأطياف اجتماعية أخرى. وبدل أداء واجب العمل على رفعة ديننا الحنيف، فإن هذه التنظيمات تجعله عُرضة للطعن من قبل أوساط حاقدة، بل يروق للبعض رؤية الإسلام من خلال هؤلاء المعتوهين، الذين أصابوا الأمة بهذه النكبة التي أصيب بها المسلمون قبل غيرهم.
اليوم يستنفر العالم ضد "الدواعش" من المسلمين، وهذا طبيعي ومفهوم ومبرر، لكن غير الطبيعي وغير المفهوم هو التغاضي عن "الداوعش" من اليهود، لأن ذبح إنسان بالسكين، لا يقل فظاعة عن قصف طفل بقذيفة يساوي وزنها خمسين ضعفاً لوزنه، وتحوله الى فتات. ومثلما يُلاحق "دواعش" السكين، ينبغي ملاحقة "دواعش" الـ F16 ومثلما يرفض الإسلام، ديانة وثقافة، جرائم الحرب والقتل المجاني للنفس الإنسانية، فإن ثقافة الغرب والديانات فيه، ترفض جرائم الحرب والمجازر ضد الأبرياء. هنا بدا لافتاً الاستنفار ضد مجرمين، وفي الوقت نفسه الصمت المعيب على مجرمين آخرين!
إن مصابنا في وجود "دواعش" العرب يستوجب جهداً يشارك فيه الفقيه وعالم الاجتماع والمربي والمختص في التخطيط للسياسات الاقتصادية، لأن رجال الأمن وحدهم، كانوا يواجهون هذه الظاهرة من منظور اختصاصهم الذي يتعاطى مع النتيجة بمنطقها. أما المختصون في كل حقل، فإنهم المعنيون بالتعاطي معها بمنطق أسبابها.
إن هؤلاء الذين يزعمون أنهم بصدد تأسيس دول، وتجسيد عقيدة الرحمن في كيانات، ويفعلون أفعال الشياطين المجردين من العقل ومن الوازع الضميري؛ يفتحون بطون الدول والكيانات القائمة لمشرط الجراح الأجنبي ويستحثون الغزو وإعادة الأوطان الى زمن الوصاية. لقد ذهب متفاقهون جهلة ومشوهون، بمجموعات من الشباب الجاهل الساذج المأزوم، الى غيبوبة ذهنية عميقة مع صحو جسدي في حمل السكين، واستثمروا كل الاحباطات لتأسيس جيشهم ولم يدركوا انهم زائلون حتماً وبلا مستقبل. أما متطرفو اليهود الذين يقومون الآن على المشروع الصهيوني، فإنهم يسممون المناخ الدولي، ويعصفون باستقرار الإقليم ويؤسسون للحرب المديدة، ولهذا كله، ضحايا أكثر من ضحايا "الدواعش" العربية على كثرتهم!